سياسة

الجنرالات في زنازين البليدة: عندما تتحول العسكرية إلى دراما وطنية

دابا ماروك

في الجزائر، حيث القهوة مُرة والسياسة أكثر مرارة، وجدنا أنفسنا أمام فصل جديد من المسرحية التي لا تنتهي: اعتقال جنرالات، ضباط، وربما حتى أصحاب “قِلة الحيلة” من رفاق السلاح، كلهم في السجن العسكري بالبليدة. والعدد؟ لا يحتاج الأمر إلى ضربة حظ؛ 155 ضابطًا رفيع المستوى بين جنرالات و”ماجورات”، وكأنهم يتنافسون على دخول موسوعة “الفضائح بلا حدود”.

هل هي مؤامرة؟ أم مجرد رد فعل على “مصاريف تجاوزت المعقول”؟ بغض النظر، يبدو أن السجن في البليدة أصبح عنوانًا لمرحلة جديدة من العجز السياسي والتصفية الداخلية التي لا تحتاج حتى إلى تسريبات ويكيليكس.

من الخدمة إلى السجادة الحمراء… في السجون؟

تخيل معنا، هؤلاء الذين كانوا يومًا ما يلقون الخطابات، يشربون القهوة المرة في قصورهم، ويهددون العالم بأصوات عالية، أصبحوا الآن عالقين في زنازين ضيقة، بدون مكيف هواء، وبدون حتى وسادة تشعرهم بأنهم ما زالوا فوق البشر.

أما عائلاتهم، فقد تحولت من رفع العلم إلى رفع دعوات قضائية ضد الدولة، وبدلًا من تنظيم حفلات العشاء الفاخرة، أصبحوا يلتفون حول موائد الاجتماعات مع محامين متخصصين في حقوق الإنسان.

القمع أم القصاص؟

بالطبع، النظام الجزائري لديه طريقته في “ترتيب البيت الداخلي”، التي تبدأ بقطع التمويل وتنتهي بسحب الامتيازات العسكرية. العائلات، في المقابل، لم تكتفِ بالبكاء والنواح، بل بدأت بتأسيس “نقابة” للدفاع عن حقوق الجنرالات المعتقلين. “حقوق الجنرالات!”، مجرد عبارة يمكن أن تكون عنوانًا لفيلم كوميدي من الدرجة الأولى.

تضامن… أو كوميديا سوداء؟

المفارقة في هذا المشهد أن العديد ممن يحاكمون اليوم كانوا جزءًا من آلة القمع خلال العشرية السوداء، يوزعون الأحكام والرصاص بدون حساب. لكن الزمن دار دورته، وها هم الآن يواجهون نظامًا أكثر كفاءة في لعبة القمع.

تبون وشنقريحة: ثنائي فوق المسرح

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يستمع تبون وشنقريحة إلى هذا الصخب؟ أم أن طاولة الاجتماعات المليئة بالأوراق والقرارات تمنعهم من سماع أصوات الاستغاثة؟ بالنسبة للكثيرين، الإجابة واضحة: النظام لا يُزعجه شيء إلا إذا هدد أركانه.

وفي الأخير، تبقى الجزائر مسرحًا لمآسي أبطالها من الجنرالات، الذين اعتقدوا يومًا أن الدنيا حكر عليهم، لتقلب عليهم الكفة، وتضعهم في زنازين تغني قصائد الفشل والتسلط.

عجلة الزمان لا تعرف التوقف

وفي سياق لا يخلو من المفارقات الساخرة، يتساءل كثيرون: هل سيأتي اليوم الذي تدور فيه عجلة القمع ذاتها لتطحن رؤوس من يديرونها الآن؟ قد تنقلب الكفة غدًا أو بعده، ويجد الثنائي تبون وشنقريحة نفسيهما أمام نفس المصير الذي رسماه لغيرهما، حيث تصبح الأدوار معكوسة، فيجلسان في قفص الاتهام أو ربما في زنازين البليدة التي كانوا يرونها حكرًا على “العصاة”.

فالزمن لا يرحم، والأنظمة التي تتغذى على تصفية الحسابات كثيرًا ما تنتهي بأن تلتهم نفسها. وحينها، قد لا يجد الجنرال والرئيس من يدافع عنهما، كما لم يدافعوا عن من سبقوهم. التاريخ مليء بالعبر، لكن من يتعلم منها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى