أخلاق الوزيرين: قراءة في مفارقات السلطة
ع-ق
يستحضر هذا المقال العنوان الشهير لكتاب أبي حيان التوحيدي “أخلاق الصاحب وابن العميد”، وهو نص أدبي وفلسفي خالد يعكس الصراعات النفسية والأخلاقية لشخصيات سياسية في عصره. التوحيدي، المعروف بلقب “أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء”، سبر أغوار الطبائع البشرية في تعاطيها مع السلطة والجاه، مشددًا على التناقضات العميقة في أخلاق الوزراء الذين تناولهم في كتابه.
من أبي حيان إلى الواقع المغربي
ما يثير الاهتمام أن تحقيق هذا الكتاب النفيس كان على يد العالم المغربي محمد بن تاويت الطنجي. لو قدر لهذا الأخير أن يكون بيننا اليوم، ربما كان ليكتب عن أخلاق بعض وزراء هذا العصر، ومنهم وزيرا الحكومة المغربية عزيز أخنوش وعبد اللطيف وهبي، اللذان أثارت مواقفهما وأسلوبهما جدلاً واسعًا في الساحة الوطنية. ولكن، في ظل الظروف الراهنة، قد تكون عاقبة مثل هذا التأليف وخيمة، كما كان الحال مع محاكم التفتيش في القرون الوسطى.
مفارقات أخلاقية على خشبة السياسة
يتسم خطاب الوزيرين بالتناقضات التي لا تخطئها العين:
- الكرم في الوعود واللؤم في الأفعال: يفيض خطابهم الانتخابي بآمال وردية ورؤية مشرقـة للمستقبل، بينما تظهر القرارات على أرض الواقع نقصًا حادًا في الوفاء بهذه الوعود.
- الرزانة في المظهر والسخف في المحتوى: رغم الأناقة الظاهرة في اللباس والمظهر الرسمي، فإن خطاباتهم تحمل أحيانًا سخرية غير لائقة، تعكس استخفافًا بجدية القضايا الوطنية.
- الدهاء في الحملات الانتخابية والغفلة في المشاريع: برعوا في استقطاب الأصوات وترويج الشعارات خلال الانتخابات، لكن بعد الوصول إلى السلطة، أبانوا عن ضعف في التخطيط والتنفيذ.
- الحياء أمام السلطان والقحة مع الشعب: يبدون خضوعًا تامًا أمام المؤسسة الملكية، بينما يتسم خطابهم تجاه المواطنين بالتجريح والصدامية.
- الرحمة مع الموالين والقسوة مع العامة: يظهرون اللين والتقدير مع المحيطين بهم وأصحاب المصالح، لكن في تعاملهم مع عامة الشعب، تغيب هذه الرحمة.
الصحافة تحت المجهر
في مشهد آخر يعكس قمع النقد، نجد أن صحفيًا شابًا وُصِف بـ”المراهق”، واجه ردود فعل قاسية جراء تعبيره عن رأيه. إذا كان هذا مصير صحفي مبتدئ، فكيف سيكون الحال مع كاتب متمرس أو مفكر يستخدم قلمه لتحليل ودراسة مثالب السلطة بشكل معمق؟
قراءة فلسفية للأخلاق السياسية
إن تناول هذا الموضوع لا يهدف فقط إلى انتقاد الشخصيات السياسية بعينها، بل إلى إثارة تساؤلات جوهرية حول الأخلاق في ممارسات السلطة:
- هل تنفصل الأخلاق عن السياسة في عصرنا هذا؟
- ما الذي يجعل المسؤولين يمارسون ازدواجية المعايير؟
- كيف يمكن للشعب أن يطالب بمحاسبة عادلة تُوازن بين الحقوق والواجبات؟
بين التوحيدي والحاضر
يبقى كتاب أبي حيان التوحيدي مرجعًا خالدًا في فضح تناقضات السلطة وكشف مساوئ النفوس البشرية عندما تتعاطى مع القوة والجاه. وعلى غرار ذلك، يظل نقد الواقع السياسي المغربي ضرورة فكرية واجتماعية، تسعى إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، بعيدًا عن التشهير أو القمع.
ختامًا، قد يكون التحدي الأكبر في السياسة ليس مجرد تحقيق المشاريع والوعود، بل تقديم نموذج أخلاقي يُجسد قيم العدالة والكرامة والإنصاف. فهل نرى هذا اليوم قريبًا؟ أم أن أخلاق التوحيدي ستبقى مرآة تعكس تناقضات عصور متتالية؟