دابا ماروك
يعيش حزب الاستقلال في إقليم بنسليمان أزمة غير مسبوقة من حيث المصداقية والاستمرارية السياسية، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة التي كشفت عن تراجع الحزب في الأوساط الشعبية وفقدان قياداته لمعاقلها الأساسية. يبدو أن الحزب يمر بمرحلة حرجة مشابهة للخريف السياسي، حيث تتساقط أوراق الرموز القيادية فيه تباعاً، بدءًا من محمد كريمين، رئيس جماعة بوزنيقة السابق وعراب المنطقة، الذي ظل يحتكر رئاسة الجماعة لسنوات طويلة محققًا لنفسه مكانة برلمانية ثابتة ومستمرة منذ أول صعود له. يُعد كريمين مثالاً صارخاً على القيادة التقليدية المتمسكة بموقعها، إذ لم يبدل انتماءه السياسي منذ التحاقه بحزب الاستقلال، ليصبح اسمه مرادفًا للنفوذ والسيطرة داخل الجماعة. غير أن توقيفه وسجنه بتهم فساد يشكل ضربة موجعة للحزب، تطرح تساؤلات عدة حول مصداقية تمثيله وتمسكه بهذه المكانة.
كما جاء توقيف مبارك عفيري ليعقد الأمور أكثر، فهو شخصية انضمت حديثًا للحزب بعد جولات ماراطونية بين أحزاب سياسية أخرى، واستطاع اكتساب منصب رئاسة الجماعة المحلية إثر تفوقه في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة بالأغلبية المطلقة. ورغم أنه كان يُنظر إليه كقائد محلي يحظى بشعبية داخل جماعة المنصورية، إلا أن الاتهامات التي وُجهت له فيما يتعلق بخروقات في مجال التعمير قد ألقت بظلال ثقيلة على سمعته. إن مبارك عفيري، كإطار سابق ذو منصب كبير في وزارة المالية، وكان يُعتبر شخصية يُعتمد عليها في الشأن المالي والرقابي، إلا أن سلوكه في المجال الانتخابي وموقعه في الحزب يوحيان بمفارقة صارخة بين شعاراته وسلوكه العملي.
إن توقيف كريمين وعفيري معاً يمثل إشارة مقلقة حول الحزب ويضع وزارة الداخلية ومفتشيها أمام مسؤوليات حساسة في مكافحة الفساد وضبط الأمور. حيث تأتي هذه التوقيفات كتحدٍّ يطال مصداقية الحزب أولاً، لا سيما وأن تصرفات القيادات المذكورة قد ألقت بظلال من الشك حول مدى التزام الحزب بمبادئه وشعاراته الأصيلة. ويطرح مراقبون تساؤلات حادة حول الأدوار الرقابية للوزارة، وإن كانت هذه الجهود كافية لضبط المخالفات وتجاوزات في الجماعات المحلية.
تأتي هذه الأزمة في سياق أوسع من التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية في المغرب، حيث يطالب المواطنون بمزيد من النزاهة والشفافية في الحياة السياسية، وإعادة النظر في الأدوار والمسؤوليات القيادية. وقد دفع توقيف الرجلين المتورطين في قضايا الفساد بكثير من المناضلين والمواطنين إلى التفكير جدياً في إعادة تقييم الثقة في الأحزاب وفي الأشخاص الذين يمثلونها، خصوصًا في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة إلى القيادات السياسية والتي غالبًا ما تساهم تصرفاتهم في ترسيخ صورة سلبية عن المؤسسات.
يبدو أن حزب الاستقلال بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة قيادته المحلية، ووضع خطط أكثر صرامة لمراقبة الأداء السياسي لمنتسبيه على مستوى الأقاليم، خاصة مع تنامي الوعي السياسي لدى المواطنين وانتشار وسائل الإعلام التي تتابع عن كثب أخبار المسؤولين.