من القصور إلى الزنازن: فصول درامية لمحاكمات الفساد في تاريخ الوزراء المغاربة
دابا ماروك
في بداية السبعينيات، وكأن الانقلابات لم تكن كافية للدراما الملكية في المغرب، أطلق الملك الحسن الثاني حملة “تطهير شاملة” ضد الفساد، وكانت ضربة موجعة لحكومة أحمد العراقي. وكالعادة، لا حكاية مغربية تكتمل دون مؤامرة محبوكة وأبطال متورطين. الجنرال محمد المذبوح، الذي كان منشغلاً بالتحضير لزيارة رسمية للولايات المتحدة، صادف ملفات فساد خطيرة تتعلق بمسؤولين مغاربة تهافتوا على رشاوى سخية من شركة بانام الأمريكية للطيران.
وبعد انقلاب الصخيرات الفاشل في يوليو 1971، قرر الحسن الثاني أن وقت اللعب انتهى وفتح الملف من جديد، لتتساقط رؤوس الوزراء كأوراق خريفية. تم اعتقال وزراء سابقين ومسؤولين بارزين بتهم تضمنت الرشوة واستغلال النفوذ، بينما أصرّ البعض على أنهم “ضحايا”، ليس للعدالة، بل للسياسة. ومن هؤلاء الأسماء المألوفة: مامون الطاهري، وزير المالية السابق، ومحمد الجعيدي، وزير التجارة، وغيرهم ممن وجدوا أنفسهم وسط محاكمة مشتعلة ترأسها القاضي أحمد الزغاري.
لم تتوقف الكوميديا السوداء عند هذا الحد. بعض المتهمين قالوا إن الأموال كانت فقط “لشراء فيلات” أو تغطية تكاليف سفر، بينما فاز آخرون بتبرئة مثيرة للدهشة، تاركين الجمهور ليتساءل: هل العدالة انتقائية أم أن في البلاد من يُكتب له الهروب في اللحظات الحرجة؟
وفي العهد الحالي، استمرّت المسرحية الفاسدة التي كنا نأمل نهايتها، لكن على ما يبدو أن الفساد لا ينتهي، فقط يغيّر أبطاله! وزراء ومسؤولون مغاربة، بعضهم أُحبّ أن يسمّى بـ “المحترمين”، وجدوا أنفسهم في زنزانات باردة بعد فضائح اختلاسات ضخمة. خذ مثلاً محمد مبديع، الوزير السابق المكلف بالوظيفة العمومية، الذي لم يتمكن من إصلاح حاله قبل إدارة مجلس جماعة الفقيه بن صالح، حيث أصبحت الملايين كأنها تتبخر في الهواء الطلق، تاركة الشعب في حالة من الدهشة والمجلس في حالة من السوء.
أما فضيحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في عام 2002، فقد كانت من العيار الثقيل، حيث تبين أن مليارات الدراهم “فُقدت”، وهي كلمة لطيفة لوصف تبديدٍ صارخ لموارد الدولة، ما أحدث عاصفة من الغضب وأدى إلى محاكمات كبرى.
والنتيجة؟ تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في السنوات الأخيرة، مع مقولة “أخيراً وليس آخراً”: إذا كنت سياسياً فاسداً، فربما تحتاج إلى محامٍ جيد ومستندات كثيرة!