مجتمع

في انتظار القيامة الاجتماعية: انهيار التكافل وصعود الأنانية

دابا ماروك

في عصر تتسارع فيه عجلة التطور المادي والتكنولوجي، يبدو أن القيم الاجتماعية الأصيلة التي شكلت لقرون طويلة أسس العلاقات الإنسانية بدأت في التلاشي. نعيش اليوم في عالم حيث الثروة والنفوذ أصبحا معيارًا أساسيًا للنجاح والتفوق، فيما تتضاءل معاني التكافل الاجتماعي، والتضامن الإنساني يبدو كأنه يختفي شيئًا فشيئًا من الواجهة. كيف تحولنا من مجتمع يهتم بأفراده إلى بيئة مشبعة بالأنانية والمصالح الفردية؟ ولماذا يبدو أن البعض يعيش في خوف دائم من فقدان مكتسباته، بينما يرزح الآخرون تحت وطأة الفقر والانعزال؟

هذه التساؤلات تعكس قلقًا عميقًا حول حال المجتمعات الحديثة، وكأننا نقترب من يوم قيامة اجتماعية، حيث التفاهم والتعاون أصبحا من النوادر.

الثري والخوف من فقدان ثروته

ما تطرقت إليه بخصوص الثري الذي يخشى على ثروته صحيح إلى حد كبير. في عصرنا الحالي، الثروة لم تعد تعني فقط الأمان المالي، بل أصبحت رمزًا للنجاح والقوة. في ظل عالم تحكمه المنافسة الشرسة، هناك خوف دائم من الفقدان أو الفشل. هذا الخوف يدفع البعض للجوء إلى وسائل غير أخلاقية لتحقيق الأرباح، مثل الزيادة غير المبررة في أسعار السلع الأساسية كالبنزين.

الضعيف ومعاناة الوحدة

في المقابل، الفقراء والضعفاء يعيشون معاناتهم بصمت. يُتركون وحدهم في مواجهة التحديات اليومية التي تزيد تعقيدًا مع مرور الزمن. قد تجد قلة من الأفراد الذين يحسون بآلام الآخرين، ولكن الأغلبية تميل إلى تجاهل معاناة الآخرين بسبب الانشغال بالضغوط الفردية، أو ببساطة بسبب اللامبالاة.

عالم الحذر والاحتياط من الآخرين

هذا الحذر المتزايد من الآخرين ينبع من فقدان الثقة. لقد أصبحت العلاقات الإنسانية مشروطة ومبنية على المصالح الذاتية. لا يمكن إنكار أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ساهمت في تدهور العلاقات بين الناس، ولكنها أيضًا أثرت على مفهوم التضامن والمساعدة المتبادلة. أصبحت المساعدة “استثناء” وليس “قاعدة”، والأغلبية تتصرف كأنها وحدها في هذا العالم، معتقدةً أن “النهاية” على الأبواب.

هل وصلنا إلى يوم القيامة؟

التعبير بأننا “وصلنا إلى يوم القيامة” يحمل في طياته إحساسًا بأن العالم كما نعرفه لم يعد يسير وفق قيم العدالة والرحمة. ليس المقصود بالضرورة أن نهاية العالم الفعلية قريبة، بل هو مجاز يعبر عن انهيار القيم التي كانت تُمثل الركيزة الأساسية للتعايش الاجتماعي. لكن ما يجب أن نتذكره هو أن هذه القيم يمكن استعادتها. إنها مسؤولية كل فرد في المجتمع لإعادة بناء الثقة، وتشجيع التكافل، وعدم الانزلاق نحو الأنانية.

الخلاصة:

نحن لسنا في “يوم القيامة” بالمفهوم الديني، ولكننا نعيش أزمة إنسانية قد تبدو وكأنها انهيار للقيم الاجتماعية التي جعلت البشر قادرين على التعايش بسلام.

في النهاية، ما نراه اليوم من تباعد اجتماعي، وتضخم في الأنانية، وانهيار في منظومة التكافل، ليس إلا نتيجة لتغيرات عميقة في الأسس التي قامت عليها المجتمعات الإنسانية. نحن نعيش في زمن يتطلب منا إعادة التفكير في دورنا الفردي والجماعي لإحياء تلك القيم التي لطالما ضمنت استمرار التماسك الاجتماعي. صحيح أن التحديات كبيرة، وأن الثروات باتت تتركز في أيدي قلة، إلا أن الأمل في استعادة الروح الإنسانية لا يزال ممكنًا.

الخطوة الأولى تبدأ بإعادة النظر في تعاملنا مع الآخرين، بالتعاطف مع معاناتهم، والسعي لخلق عالم يضمن للجميع فرصًا متساوية للحياة الكريمة. ربما لم نصل بعد إلى “يوم القيامة”، لكن استمرارية الوضع كما هو قد تقودنا إلى لحظة حرجة، حيث نجد أنفسنا في عالم فقدنا فيه ما هو أكثر قيمة من المال والسلطة: الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى