![](https://i0.wp.com/dabamaroc.com/wp-content/uploads/2025/01/61bde34a-1a7d-4735-aacf-20c7374fb5d8.png?fit=1376%2C1001&ssl=1)
حركة المرور بين المدن المغربية: أزمة ثقافة ووعي أو تبعية للأسلوب الإسباني؟
دابا ماروك
إستهلال:
من أكثر الظواهر الاجتماعية المشينة التي تعكس الافتقار إلى الوعي المدني والتطور الحضري، ظاهرة عدم احترام حركة المرور في بعض المدن المغربية. هذه الظاهرة التي تجسدها سلوكيات متناقضة وغير مسؤولة من قبل السائقين والراجلين على حد سواء، أصبحت تمثل تحدياً حقيقياً للحفاظ على سلامة المواطنين ورفع مستوى الوعي الحضري. ويشكل عدم احترام ممرات الراجلين أحد أبرز مظاهر هذه الظاهرة في مدن معينة، مثل الجديدة، بني ملال، المحمدية، سطات، خريبكة، وبنسليمان. هذه المدن، التي تعاني من ضعف في توعية سكانها حول أهمية احترام قواعد المرور، تتسم بتصرفات فوضوية من السائقين والراجلين، مما يزيد من خطر الحوادث.
الأنانية في التعامل مع قواعد المرور:
إن السلوكيات التي نشهدها في بعض المدن تشير إلى نوع من الأنانية المفرطة وعدم المسؤولية. فالسائقون في هذه المدن يعبرون عن فوضوية صارخة في تجاهل ممرات الراجلين، حيث لا يتوقفون لتسوية مرور المشاة، وكأن الممرات المخصصة لهم مجرد تفاصيل هامشية. هذا السلوك يترجم إلى سلوكيات خطيرة وتهدد حياة المشاة الذين يُجبرون على اجتياز الطرق في ظروف غير آمنة، مما يزيد من احتمالات الحوادث.
أما من جهة الراجلين، فهم لا يقلون عن السائقين في تصرفاتهم غير المسؤولة، إذ يتجاهلون الإشارات الضوئية، ويعبرون الشوارع من أي مكان دون مراعاة لوجود الممرات المخصصة لهم، بل أحيانًا يركضون بين السيارات دون أي اكتراث للأخطار المحيطة. هذا السلوك يعكس نقصًا في الوعي بأهمية احترام النظام في حركة المرور، وهو ما يسهم بشكل كبير في تزايد الحوادث ويزيد من فوضى الحركة في المدن.
هل هي مشكلة ثقافية أم إدارية؟
على الرغم من أن هذه الظاهرة تتعلق بشكل أساسي بالوعي المدني، فإن هناك أيضًا جانبًا إداريًا يتعلق بتطبيق قوانين المرور. ففي بعض المدن، يعاني المواطنون من ضعف في إنفاذ القوانين، ما يجعلهم يتصرفون بحرية، ظنًا منهم أن القواعد ليست ملزمة أو أنها قابلة للتجاهل. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من المدن إلى التوعية الكافية حول حقوق وواجبات الراجلين والسائقين، بل إن البنية التحتية نفسها قد لا تكون مؤهلة لاستيعاب حركة مرور منظمة، مع غياب إشارات المرور أو الإضاءة المناسبة في بعض الأماكن.
لكن يمكن القول إن هذا لا يعني بالضرورة أن المشكلة كامنة في البنية التحتية وحدها، بل هناك جانب ثقافي عميق يتعلق بكيفية فهم الناس لدورهم في المجتمع وواجباتهم تجاه الآخرين. ففي العديد من المدن التي تشهد هذه الظاهرة، يظهر نقص في التربية المدنية التي تشجع على احترام الآخر، وعدم الاستغلال الأناني للفضاء العام.
المدن الشمالية: نماذج ثقافية مختلفة؟
في المقابل، نجد أن مدن الشمال المغربية التي تأثرت تاريخيًا بالثقافة الإسبانية تظهر سلوكًا مختلفًا في تعاملها مع حركة المرور. فالمدن مثل طنجة، تطوان، والناظور، التي نشأت في ظل تأثير ثقافي إسباني عميق، تتمتع بوعي أكبر بين السائقين والراجلين على حد سواء. فالثقافة الإسبانية في حركة المرور تُعتبر من بين الأكثر احترامًا في أوروبا، حيث لا يوجد مجرد احترام لقواعد المرور، بل تسود روح من التسامح والتضحية بالوقت من أجل سلامة الآخرين.
العديد من الإسبان يعتبرون أن احترام قواعد المرور هو جزء من احترام الإنسان الآخر، إذ يتوقف السائقون عند ممرات الراجلين بشكل فوري، حتى لو كانت الحركة مرهقة أو كان عليهم الانتظار لفترة. هذه الثقافة تُزرع منذ الصغر، حيث تُعلم الأجيال الجديدة أن الطريق ليس مجرد فضاء للنقل، بل هو مكان للتعاون والتكامل بين الجميع.
الثقافة المغربية والمفارقة:
لكن عندما نتحدث عن المدن المغربية في الجنوب والوسط، نلاحظ أن المشكلة ليست متعلقة بعدم وجود قوانين أو أنظمة مرورية، بل بتطبيق هذه القوانين، ونقص الوعي الحضري. فبينما تؤثر الثقافة الإسبانية بشكل إيجابي على سلوكيات المرور في شمال المغرب، لا نجد نفس التأثير في مدن أخرى تعاني من مشاكل بيئية وثقافية ترتبط بعدم احترام الممرات وأولوية المرور.
يعتبر البعض أن هذه الظاهرة مرتبطة بعوامل اجتماعية ثقافية، مثل غياب الوعي المدني والاحتكاك المباشر مع الثقافات الأوروبية المتقدمة في مجال المرور. فبينما تعتبر بعض المدن المغربية مثالاً للتقدم في التنظيم الحضري، تظل مدن أخرى تراوح مكانها في تطور ثقافة المرور.
خاتمة: هل يمكن تجاوز هذه الأزمة؟
إن تغيير سلوكيات المرور في المدن المغربية يتطلب جهداً جماعياً يبدأ من الحكومة عبر فرض قوانين صارمة ومراجعة البنية التحتية للطرق، وصولاً إلى حملات توعية تشجع على احترام ممرات الراجلين وحقوق الآخرين في الشوارع. كما أن التأثير الإيجابي للثقافة الإسبانية في مدن الشمال يُظهر أنه من الممكن تعلم ثقافة التسامح والاحترام المتبادل بين السائقين والراجلين في باقي المدن المغربية.
لكن الأهم من ذلك هو نشر وعي أكبر لدى المواطنين حول أهمية احترام الأنظمة المرورية كجزء من المسؤولية الاجتماعية التي تساهم في حماية الأرواح وتعزيز التنمية الحضرية. لا شك أن التغلب على هذه الأزمة لن يكون سهلاً، لكنه ليس مستحيلًا إذا تعاون الجميع، من مواطنين ومسؤولين، من أجل خلق بيئة مرورية آمنة ومنضبطة تعكس روح التمدن والاحترام المتبادل.