سياسةمجتمع

من يضحك على من؟ النقابات، الصحافة، والمخزن… اللعبة التي لا تنتهي

م-ص

تبعا لمقالنا السابق “على من يضحك عزيز أخنوش؟”، نعود اليوم لنناقش فصلاً آخر من المسرحية السياسية والاقتصادية التي يعيشها المغرب. وإذا كان المواطن قد فهم أن الأسعار تتحكم فيها لوبيات فوق المساءلة، فإن اللعبة لا تكتمل إلا بوجود من يبرر هذا الوضع أو يصرف انتباه الناس عنه. وهنا، نجد أنفسنا أمام ثلاثة فاعلين رئيسيين: النقابات، الصحافة، والمخزن.

النقابات: صوت الشعب أم أداة التخذير؟

لا يكاد يمر إضراب أو احتجاج إلا وتجد النقابات تتصدر المشهد، ليس بالضرورة دفاعًا عن الطبقة العاملة، بل في كثير من الأحيان لتوجيه النقاش في الاتجاه المطلوب. في زمن مضى، كان للنقابات حضور قوي، وكانت تهدد فعلاً مصالح الدولة حينما كان العمال هم العمود الفقري للحركة الاقتصادية. أما اليوم، فقد تحولت إلى ديكور ديمقراطي، تؤدي أدوارها بإتقان، ترفع الشعارات، تصدر بيانات، لكن حين يحين وقت الحسم، تتوصل إلى “اتفاقات” تُعلن نهاية الإضراب في اللحظة المناسبة.

منذ عقود، والنقابات في المغرب تعيش حالة ازدواجية غريبة: من جهة تدّعي الدفاع عن الشغيلة، ومن جهة أخرى تتلقى دعماً وامتيازات تجعلها غير قادرة على المواجهة الحقيقية. ومن يحتاج إلى دليل، فلينظر كيف أن كل المعارك الكبرى التي خاضتها النقابات في السنوات الأخيرة انتهت إلى لا شيء. رفعوا شعارات ضد قانون الإضراب الجديد؟ لكن القانون يمر رغم أنف الجميع. نددوا بارتفاع الأسعار؟ لكنهم لا ينزلون إلى الشارع إلا بعد الحصول على “الضوء الأخضر”.

الأدهى من ذلك، أن النقابات لم تعد تكتفي بدور المتفرج، بل أصبحت شريكة في المسرحية. فحينما يحتاج المخزن إلى تهدئة الشارع، ترسل النقابات ممثليها إلى طاولة الحوار، وحينما يكتمل المشهد، يعود الجميع إلى مواقعهم الطبيعية وكأن شيئًا لم يكن.

الصحافة: بين العصا والجزرة

الصحافة، التي يُفترض أن تكون سلطة رقابية، وجدت نفسها أمام اختبار صعب: إما أن تسبح مع التيار، أو تتحمل العواقب. كثير من الصحفيين دخلوا السجون، لكن المفارقة أن معظمهم حين يخرج، لا يعود كما كان. هناك من يصمت، وهناك من يتحول إلى نسخة “كاري حنكو” وينشر ما يملى عليه في الكواليس.

أما أشباه الصحفيين، الذين لا همّ لهم سوى “التطبيل”، فهؤلاء لا يحتاجون إلى تهديد أو عقاب، لأنهم أصلاً جزء من المنظومة. هم موجودون لتشويه أي صوت معارض، لإطلاق حملات التشهير ضد أي شخص يجرؤ على رفع صوته، ولإغراق الفضاء الإعلامي بأخبار سطحية تبعد المواطن عن القضايا الحقيقية.

النتيجة؟ إعلام موجه، ينتقد في حدود المسموح، يتجرأ حين يحتاج النظام إلى إرسال رسائل معينة، لكنه لا يخرج عن الخطوط الحمراء.

المخزن: ضابط الإيقاع

وسط كل هذا، يظل المخزن هو ضابط الإيقاع. كل الأصوات التي يشك في “مصداقيتها”، إما تُحتوى، أو تُقمع، أو تُستقطب للاشتغال من الداخل. المعادلة بسيطة: إذا كنت ضد النظام، فإما أن تدخل اللعبة وفق شروطه، أو تواجه مصيرك وحيدًا.

وهكذا، حين نجد أن النقابات لا تفعل شيئًا، والصحافة لا تجرؤ على قول كل شيء، والمخزن يراقب الجميع من بعيد، فإن السؤال الحقيقي لم يعد: “على من يضحك عزيز أخنوش؟” بل “من يضحك على من؟”

في النهاية، يبدو أن اللعبة مستمرة، لكن إلى متى؟ هذا ما ستحدده الأيام القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى