مجتمع

الفوضى اليومية في المغرب: حين تغيب ثقافة الانضباط وتنتصر الأنانية

دابا ماروك

مما لا شك فيه أن السلوكات اليومية تمثل مرآة تعكس درجة تحضر وتطور المجتمعات. حين ننظر إلى بعض السلوكات التي تتكرر في المغرب، يتبين أن هناك فجوة كبيرة بين معايير الانضباط المعمول بها في العديد من البلدان وبين السلوكات الشائعة في بعض المناطق. تتجلى هذه الفجوة في عدة مواقف حياتية، بدءًا من الطرقات ومرورًا بالمخابز والوكالات البنكية وحتى الأماكن التي يجب أن تكون نموذجًا للانضباط مثل محطات القطار.

الفوضى في الطرقات: منبه السيارة ليس للتواصل الاجتماعي

في كثير من الأحيان نجد أن سائقي السيارات في المغرب يتعاملون مع منبهات السيارات وكأنها وسيلة للتواصل الاجتماعي أو التعبير عن المزاج الشخصي. يطلق السائقون الزعيق بشكل عشوائي، ليس فقط لتحذير أو إعلام الآخرين، ولكن لأسباب لا علاقة لها بالسلامة أو حركة المرور. فقد تجد سائقًا يستخدم المنبه لتحية صديق مر على الطريق، أو لتنبيه أحد المارة بأن الوقت قد حان للنزول من البيت، دون أي مراعاة لتأثير هذا التصرف على المحيطين. هذا السلوك الفوضوي ليس مجرد إزعاج، بل هو انعكاس لعدم احترام الآخرين وغياب ثقافة النظام التي يفترض أن تميز المجتمعات المتحضرة.

في كثير من الدول الأخرى، يتم استخدام منبه السيارة فقط في حالات الضرورة القصوى. الزعيق الحاد والعشوائي يعد علامة على التخلف وانعدام الانضباط. ففي المدن الكبرى مثل طوكيو أو برلين، يمكن أن تمضي ساعات دون أن تسمع صوت منبه سيارة، لأن السائقين يدركون أن الزعيق دون داع هو علامة على قلة الاحترام للجميع.

الطوابير: قوانين غير مكتوبة للفوضى

إذا دخلت إلى مخبزة أو متجر في المغرب، قد تواجه مشهدًا محبطًا: الكبار والصغار على حد سواء يحاولون القفز على دورك، وكأن الطابور مجرد مفهوم رمزي وليس قاعدة يتم احترامها. هذه الظاهرة تعكس ضعفًا في الثقافة المجتمعية تجاه فكرة النظام والانضباط. غياب ثقافة الطابور ليس فقط في المخابز، بل في جميع مناحي الحياة؛ من المحلات التجارية إلى الوكالات البنكية.

حين تدخل وكالة بنكية، تجد أن الأنانية وسوء التربية قد أصبحتا سلوكًا روتينيًا. يصطف الناس في طوابير لكن سرعان ما تجد شخصًا يحاول التسلل والتقدم بحجج واهية، كأن وقته أثمن من وقت الآخرين. هذا التصرف لا ينم فقط عن الأنانية، بل يعكس افتقارًا للتربية المجتمعية حول الاحترام المتبادل.

محطات القطار: الطابور ليس حلاً لبعض الناس

حتى في الأماكن التي يبدو أنها تعودت على فكرة الطابور، مثل محطات القطار، لا تزال هناك تحديات. تجد البعض بحجة أن قطارهم سيصل بعد دقيقتين يحاولون التقدم على الجميع في الطابور، وكأنهم غير مستعدين لتحمل مسؤولية التأخير أو عدم التخطيط المسبق. هذه المواقف، التي قد تبدو بسيطة، هي في الواقع انعكاس عميق لمشكلة اجتماعية أكبر تتعلق بعدم المسؤولية الفردية وغياب الشعور بالجماعة.

في دول أخرى، يتحمل الفرد مسؤولية أفعاله واحترامه لحقوق الآخرين في الطابور من الأمور البديهية. فالكل يدرك أن النظام والاحترام هما أساس تحضر المجتمع، وأن تجاهل الطابور ليس فقط سلوكًا مزعجًا، بل هو اعتداء على حقوق الآخرين.

الأنانية في الشوارع: السرعة والعجالة دون هدف

على الطرقات المغربية، قد تجد شخصًا يسير بسرعة مفرطة، يتجاوز السيارات الأخرى وكأن لديه موعدًا مصيريًا لا يحتمل التأخير. لكن المفاجأة أنه عند الوصول إلى وجهته، يتوقف ليحتسي فنجان قهوة أو يجلس بدون عجلة. هذه التناقضات في السلوكات تعكس نوعًا من الانفصال عن الواقع، حيث تكون السرعة وسيلة لإظهار التسلط والتفوق على الآخرين وليس نتيجة حاجة فعلية.

في هذه النقطة بالتحديد، يمكن أن نستخلص أن بعض هذه التصرفات ليست مرتبطة فقط بفكرة التأخير أو الوقت، بل بنظرة سلبية تجاه الآخرين. حيث يرى البعض أن تجاوز السيارات أو الأشخاص هو علامة على السيطرة أو التفوق، حتى لو كان ذلك بدون مبرر منطقي.

قمة التخلف: غياب الحس المجتمعي والانضباط

كل هذه المظاهر تشترك في مشكلة أساسية وهي غياب الحس المجتمعي والانضباط الذاتي. في حين أن المجتمعات المتحضرة تعلمت أن النظام والاحترام هما أساس الحياة اليومية، نجد أن هناك تراجعًا في هذه القيم في بعض الأوساط. الأنانية، الفوضى، والافتقار إلى المسؤولية الجماعية كلها مظاهر تعرقل تقدم المجتمع وتضعف من نسيجه الاجتماعي.

للتغلب على هذه المشاكل، لابد من تعزيز التربية على الاحترام والنظام في جميع مستويات المجتمع، بدءًا من البيت والمدرسة وصولاً إلى الإعلام والقوانين. ليس فقط لتحقيق سلوكات أكثر حضارة، بل لضمان تطور مجتمعي مستدام يحترم الجميع فيه حقوق الآخرين ويتعاون من أجل مصلحة مشتركة.

ختامًا، الفوضى التي نشهدها في السلوكات اليومية بالمغرب ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتيجة ثقافة تحتاج إلى تصحيح. تصرفات مثل إطلاق المنبهات بلا سبب، وتجاوز الطوابير، والقيادة بسرعة مفرطة دون مبرر، ليست سوى مظاهر لغياب الانضباط والاحترام، والسبيل الوحيد للخروج من هذه الفوضى هو نشر قيم المسؤولية والوعي المجتمعي، حتى نرتقي جميعًا إلى مستوى أكثر حضارة وانضباطًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى