مجتمع

الخدمات في المغرب: هل نحن مجرد زبائن أم رهائن؟

دابا ماروك 

إذا كنت تعيش في المغرب، فأنت على الأرجح قد اختبرت الشعور الذي ينتابك عند التعامل مع إحدى المؤسسات الخدماتية: الغضب، الإحباط، وربما اليأس التام من الحصول على خدمة محترمة مقابل ما تدفعه. في كل قطاع تقريبًا، نجد غيابًا واضحًا لثقافة احترام المواطن، وتحولت العلاقة بين المؤسسات والزبائن إلى معركة غير متكافئة، حيث يمتلك الطرف الأول النفوذ والاحتكار، بينما لا يملك الطرف الثاني سوى الصبر على سوء المعاملة والتذمر في المقاهي وصفحات الفيسبوك.

من شركات الاتصالات، إلى التأمينات، إلى شركات توزيع الماء والكهرباء، يبدو أن الخدمات في المغرب تشترك في قاسم مشترك: سوء المعاملة، اللامبالاة، والتعامل مع المواطن وكأنه مجرد رقم مالي وليس إنسانًا له حقوق. والأسوأ من ذلك، أن هذه الشركات تستغل المواطن حتى آخر درهم في جيبه، دون أن تقدم له خدمة تليق بما يدفعه.

اتصالات المغرب وشركات الاتصالات: احتيال مقنن؟

لا يمكن الحديث عن “النصب الخدماتي” في المغرب دون التطرق إلى قطاع الاتصالات، الذي تحول إلى نموذج مثالي لكيفية استنزاف جيوب المشتركين بطرق مبتكرة.

  1. الزيادات غير المبررة في الفواتير:
    قد تستلم فاتورتك لتجد أنها تضخمت فجأة، رغم أنك لم تستهلك أكثر من المعتاد. تبدأ رحلتك للاستفسار، فتواجه تبريرات تقنية غامضة وغير مقنعة، مثل “النظام هو الذي يحتسب الاستهلاك” أو “هناك تحديث في التعريفة”، أو أن هناك رسوم حين مشتريات عبر النيت، رغم أنك بريء براءة الذئب من دم يوسف من كل افتراء مفضوح، دون أي تفسير دقيق لكيفية تضاعف المبلغ. إذا قررت الاعتراض، ستدخل في متاهة من الإجراءات البيروقراطية التي تبدأ بمكالمات لا تنتهي مع خدمة الزبناء، وقد تتطلب منك زيارات متكررة إلى الوكالات، حيث ستقابل موظفًا ينظر إليك بلا مبالاة، وكأنك تطلب الصدقة أو شيئًا خارج نطاق الخدمة، بينما الحل الوحيد المطروح أمامك هو دفع الفاتورة وانتظار “المعجزة” في الشهر القادم أو تغيير الشركة…
  2. العروض الوهمية: إعلان عن عرض جذاب، لكنه يتحول إلى كابوس بمجرد الاشتراك فيه، حيث يتم تقييدك بعقد غير واضح، مليء بالبنود الصغيرة التي لا يقرؤها أحد، لكنها كافية لجعلك عالقًا في خدمة لا تستطيع إلغائها دون دفع غرامات خيالية.
  3. خدمة العملاء: عوض المساعدة، تأنيب الزبون: عند الاتصال بخدمة الزبناء، سيبدأ المشغل بإخبارك أن المكالمة قابلة للتسجيل في أسلوب التهديد والترهيب، حتى لا تجهر بالنصب الذي تتعرض له. بل يقال لك إن المشكل من عندك، وليس من الشبكة. وإذا زارك التقني (بعد أسابيع من الانتظار)، سيبدأ في تبرير تقصير الشركة بلومك على كثرة الشكايات، وكأنك المسؤول عن رداءة الخدمة. نقول هذا وقارنوا شركات الاتصال بالدول التي تحترم شعوبها وبين هذه الدولة التي يبدو أنها تحرض هؤلاء النصابين ضدنا.

شركات التأمين: بارعون في سرقة حقوقك قانونيًا!

شركات التأمين في المغرب تُتقن فن “المراوغة القانونية”، فهي تأخذ منك أقساط التأمين بانتظام، ولكن حين يحين وقت التعويض، تبدأ رحلة المتاهة:

  1. شروط تعجيزية: دائمًا هناك بند صغير مخفي يجعلك غير مؤهل للتعويض. قد تكون دفعت تأمين سيارتك لسنوات، ولكن حين تتعرض لحادث، ستكتشف أن هناك استثناءً قانونيًا غامضًا يمنعك من الحصول على أي تعويض.
  2. المماطلة حتى يفقد المؤمن الأمل: بعد تقديم طلب التعويض، سيتم تأجيله مرارًا وتكرارًا بحجج واهية، فيتحول الأمر إلى صراع إرادات، حيث تنتظر الشركة أن تتعب وتتنازل عن حقوقك.
  3. الوعود الوهمية بالخدمات: هل قيل لك عند الاشتراك أن لديك تأمينًا شاملاً ضد جميع المخاطر؟ عند الحاجة إليه، ستكتشف أن “جميع المخاطر” لا تشمل سوى عدد قليل جدًا من الحالات، غالبًا ما تكون غير تلك التي تعاني منها.

شركات توزيع الماء والكهرباء: كل شيء متاح… إلا الخدمة الجيدة!

هذه الشركات تتقن فن التهرب من المسؤولية، وتتطلب صبرًا أسطوريًا من المواطنين الذين يحتاجون إلى أي خدمة صيانة.

  1. التسربات المائية: الانتظار حتى تغرق الحي!
    عند اكتشاف تسرب مائي كبير في شارعك، ستتصل بالشركة، وبعد انتظار طويل، ستحصل على رد بارد مفاده أن “الفرقة التقنية ستزوركم قريبًا”. هذا “القريبًا” قد يمتد أيامًا أو أسابيع، وفي بعض الأحيان، يصل الفني بعد أن تكون المياه قد أغرقت الأزقة بالكامل.
  2. انقطاع الكهرباء… لا أحد يهتم!
    عند انقطاع التيار الكهربائي، يمكنك الاتصال بمصلحة الزبناء، لكن لا تتوقع استجابة سريعة. حتى لو كنت تدير محلًا تجاريًا وتخسر أموالك بسبب انقطاع الكهرباء، سيُطلب منك التحلي بالصبر، وكأن الصبر سيعيد تشغيل الثلاجات المتوقفة أو ينقذ بضاعتك من التلف.
  3. العدادات التي تعد بالمزاج
    لا أحد يفهم كيف يتم احتساب فواتير الكهرباء والماء في المغرب. قد يكون استهلاكك ثابتًا، لكن الفاتورة تأتي أحيانًا مضاعفة دون تفسير واضح. وإذا اشتكيت، فستدخل في متاهة التحقيقات التي لا تؤدي إلى شيء، وسيُطلب منك الدفع أولًا، ثم البحث عن حل لاحقًا.

خدمات أخرى… أم ألغام يومية؟

لا يقتصر الأمر على الشركات الكبرى فقط، بل يمتد إلى كل زاوية في الحياة اليومية:

  • خدمات البريد (أمانة أم خيانة؟): الرسائل والطرود تضيع، وعند الاستفسار، يكون الرد دائمًا غامضًا: “ربما تأخر الناقل، ربما وصل ولم تجدوه، ربما…”. وإذا أردت إرسال وثيقة مستعجلة، فكن مستعدًا لدفع مبالغ باهظة مقابل خدمة “إكسبريس” قد لا تكون إكسبريس فعلًا.
  • مكاتب الحالة المدنية (سفر عبر الزمن): تحتاج إلى استخراج وثيقة بسيطة؟ جهز نفسك ليوم كامل من الطوابير والمعاملات الورقية التي تبدو وكأنها مصممة خصيصًا لتعذيب المواطنين.
  • خدمات النقل (سيارات الأجرة والحافلات): السائقون يقررون متى وأين يريدون التوقف، والأسعار تحدد حسب مزاجهم. أما الحافلات، فغالبًا ما تكون متهالكة ومكتظة، مع مواعيد غير منتظمة.

خاتمة: متى تنتهي هذه المعاناة؟

الخدمات في المغرب ليست مجرد “مشاكل تقنية”، بل تعكس ثقافة مؤسساتية تفتقر إلى الاحترام والشفافية. المواطن ليس مجرد زبون، بل هو رهينة لنظام خدماتي سيء، حيث يُطلب منه الدفع مقابل خدمات لا يحصل عليها بالشكل اللائق.

يبقى السؤال المطروح: متى ستدرك هذه المؤسسات أن المواطن المغربي يستحق خدمة تليق بما يدفعه؟ وإلى متى سيظل الاستهتار بالمستهلك أمرًا عاديًا دون أي مساءلة حقيقية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى