مجتمع

حين تتحالف الأغلبية ضد المصلحة العليا للبلاد والعباد!

دابا ماروك

يبدو أن الساحة السياسية المغربية أصبحت مسرحًا لمسرحية هزلية عنوانها: “الإصلاحات الكبرى… ولكن!”، حيث يؤدي الأبطال أدوارهم بكل إتقان، بينما الجمهور -أي الشعب- يصفق تارة ويتأوه تارة أخرى، في انتظار معرفة نهاية هذا العرض الطويل.

في آخر فصل من هذه المسرحية، صادق مجلس المستشارين بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، وسط أجواء تغيب عنها الإثارة، بحضور 48 مستشارًا فقط من أصل 120، في دلالة واضحة على مدى “الاهتمام البالغ” الذي يوليه ممثلو الأمة لهذا الملف المصيري.

الإضراب: الحق الذي أصبح جريمة!

لطالما تغنت الحكومات المغربية المتعاقبة بحقوق العمال، وحقهم المشروع في التعبير عن مطالبهم، ولكن عند أول اختبار حقيقي، يظهر الوجه الآخر لهذه “الديمقراطية الاجتماعية”. فمشروع القانون الجديد يأتي ليضع قيودًا أكثر على حق الإضراب، ويمنح للمشغلين هامشًا أكبر للمناورة، ويزيد من معاناة الطبقة العاملة، وكأن الأزمة الاقتصادية ليست كافية!

فالمواد الجديدة في القانون، وإن زينت ببعض التعديلات الشكلية، إلا أنها تحتفظ بجوهرها الذي يهدف إلى تقليص قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم، من خلال شروط تعجيزية للإعلان عن الإضراب، وتقليص آجاله، وفرض عقوبات مالية على المخالفين، فضلًا عن الاقتطاع من الأجور، وكأن العامل المضرب هو الموظف الوحيد الذي ينبغي عليه دفع فاتورة الاحتجاج.

تحالف غير مقدس بين الباطرونا والأغلبية!

في مشهد لا يخلو من الغرابة، تحالفت الأغلبية الحكومية، ومعها الاتحاد العام لمقاولات المغرب (الباطرونا)، ومعهم الفريق الحركي، لتمرير القانون، بينما وقفت بعض النقابات والمعارضة في الجهة الأخرى، تندد وتحذر، ولكن دون جدوى.

وهنا يطرح السؤال: متى كانت الأغلبية تهتم بحقوق الشغيلة؟ ألم يكن من المفترض أن يكون القانون ثمرة حوار اجتماعي حقيقي، عوض أن يكون مجرد صفقة تمرر تحت الطاولة؟ أم أن الحكومة اعتبرت أن العمال المغاربة كائنات صبورة، تتكيف مع كل الظروف، حتى وإن كانت ظالمة؟

حكومة الإصلاحات… ولكن لمن؟

وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، لم يتردد في التأكيد على أن الحكومة “أوفت بوعودها” و”حققت التوازن” عبر إدخال تعديلات جديدة، مثل السماح بالإضراب لأسباب معنوية، وإدراج بعض الفئات غير المشمولة في مدونة الشغل. ولكن السؤال هنا: هل هذه التعديلات كافية لتعويض كل القيود الأخرى؟ أم أنها مجرد محاولة لتجميل صورة القانون أمام الرأي العام؟

فالحكومة التي تدعي أنها جاءت لتحقيق العدالة الاجتماعية، يبدو أنها نسيت أن تحقيق هذا الهدف لا يكون بتقييد الحريات، بل بضمان حقوق الجميع. ومن الواضح أن هذا القانون الجديد لا يخدم سوى أرباب العمل، الذين سيستفيدون من مرونة أكبر في ضبط العمال، وتقليل الخسائر التي قد تنجم عن الإضرابات.

الانسحاب بدل المواجهة!

وسط هذا الجدل، قرر فريق الاتحاد المغربي للشغل الانسحاب من جلسة التصويت، احتجاجًا على “نهج الحكومة التقييدي”، وهو موقف قد يبدو نضاليًا، لكنه يثير تساؤلات حول فعاليته، فهل الانسحاب هو الحل الأمثل لمواجهة قانون جائر؟ أم أنه مجرد موقف احتجاجي دون تأثير حقيقي؟ ألا كان من الأجدى خوض معركة سياسية أكثر شراسة داخل البرلمان؟

النتيجة: مزيد من التوتر الاجتماعي

بغض النظر عن الحجج التي قدمتها الحكومة، فإن تمرير هذا القانون بهذه الطريقة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر الاجتماعي، خاصة في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة. وإذا كانت الحكومة تعتقد أن تمرير القوانين دون توافق اجتماعي هو الحل، فعليها أن تستعد لمرحلة مقبلة مليئة بالمفاجآت، حيث قد تجد نفسها في مواجهة احتجاجات أوسع، وربما عصيان مدني يصعب احتواؤه.

في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: متى ستدرك الحكومات المغربية أن تحقيق التنمية لا يكون بتقييد الحريات، بل بضمان الحقوق وإرساء العدالة الاجتماعية؟ وإلى متى سيبقى العامل المغربي مجرد رقم في معادلات الإصلاحات الشكلية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى