
إضراب بنكهة الهزيمة: حينما تحتج النقابات بعد فوات الأوان!
دابا ماروك
ها قد وصلنا إلى موسم الإضرابات السنوي، ذاك الذي يأتي كل مرة بنفس الوصفة السحرية: خطابات رنانة، تهديدات فارغة، ونقابات تتظاهر بأنها تفاجأت بمرور القانون وكأنها كانت في سبات شتوي. لكن، لنكن صرحاء ولو لمرة واحدة، ماذا سيجني المغاربة من إضراب حتى لو بلغ نسبة نجاحه مائة في المائة؟ هل ستنخفض الأسعار فجأة؟ هل سيعود سعر الزيت إلى مستواه قبل أن يتحول إلى منتج فاخر ينافس العطور الباريسية؟ أم أن الفواتير ستتوقف عن تسلق الجدران كأنها رجال نينجا مدربين على سرقة ما تبقى من جيوب المواطنين؟
لنعد قليلاً إلى الوراء، فحين كان المواطن يتلقى الصفعات الاقتصادية واحدة تلو الأخرى، كانت هذه النقابات تتفرج كما لو أنها تشاهد مباراة في التنس، تنتظر أن تنتهي المجموعة لتبدأ في رفع الشعارات وإطلاق البيانات. حين قفز سعر الزيت، لم نرَ مخاريق ولا سمعنا له همساً، وكأن الزيادة لم تؤثر سوى على كائنات تعيش في موازيين القوى الاقتصادية الأخرى، بينما بقيت الطبقة المسحوقة تدفع الثمن دون أن تجد من يفاوض باسمها.
أما عندما مر مشروع قانون الإضراب بسلاسة في البرلمان، فقد كنا ننتظر أن تهب النقابات للدفاع عن آخر ما تبقى من حقوق العمال، لكن يبدو أنها كانت منشغلة بتحضير بلاغات الإدانة بدل خوض معركة حقيقية. نام الجميع في العسل، وحين استيقظوا وجدوا أن القانون أصبح أمراً واقعاً، فقرروا أن يُخرجوا ورقة الإضراب بعدما أصبح بلا فائدة، كمن يُشهر مسدساً بلا رصاص في وجه جيش مدجج بالدبابات.
وهنا يدخل مخاريق، الرجل الذي يؤكد في كل مرة أنه مرشح لدور البطولة في أفلام هوليوود، لكن ليس من نوعية الأبطال الذين يقلبون الطاولة، بل من أولئك الذين يكتفون بإلقاء خطابات نارية قبل أن ينصرفوا لتناول الشاي مع أصحاب القرار. أما زميله “الكلون الصغير”، فقد بلغ به الأمر حد التلويح باللجوء إلى المحكمة الدستورية، وربما لو طال به الحال قليلاً لأعلن نيته السفر إلى محكمة لاهاي الدولية لرفع دعوى ضد الحكومة بتهمة التلاعب بمشاعر الطبقة العاملة.
لكن السؤال الحقيقي الذي لا يريد أحد طرحه هو: هل ما زالت هذه الإضرابات تُخيف الحكومة أصلاً؟ في زمن كانت فيه النقابات قادرة على شلّ البلاد وإجبار الوزراء على مراجعة قراراتهم، كان الإضراب سلاحاً فعالاً. أما اليوم، فالحكومة تعرف جيداً أن أغلب الإضرابات ليست سوى زوبعة في فنجان، وأن الكثيرين لن يتوقفوا عن العمل لأنهم ببساطة لا يملكون ترف تضييع يوم من الأجر في سبيل احتجاج لن يُغير شيئاً.
في النهاية، لا ضرر في أن يُضرب الناس، فهم أصلاً “مضروبون” منذ سنوات، لكن العيب كل العيب أن يتحول الإضراب إلى مسرحية سيئة الإخراج، حيث يعرف الجميع أن النهاية ستكون مجرد بيانات شجب واستنكار، بينما تستمر الأسعار في الصعود، ويستمر المواطن في تلقي الصفعات، دون أن يجد من يتدخل لإنقاذه من هذه الحلبة التي لا نهاية لها.