
عندما تخاف اللجنة أكثر من العمال: سلامة المسؤول قبل سلامة المواطن!
دابا ماروك
يبدو أن لجنة التحقيق التي أوفدتها وزارة التجهيز والماء للتحقيق في انفجار نفق سد المختار السوسي قررت اتباع نهج “السلامة أولًا”… لدرجة أنها لم تتمكن من دخول النفق أصلًا! لماذا؟ لأن احتمال وجود غاز سام كان كفيلًا بردعها، تمامًا كما يفعل رجال المطافئ الذين يقررون إطفاء الحريق عن بُعد عبر مكبرات الصوت.
وزير التجهيز والماء، نزار بركة، خرج في جلسة برلمانية ليؤكد أن الوزارة أرسلت لجنة مركزية مكونة من كبار المسؤولين والخبراء الذين سافروا إلى هناك بإقليم تارودانت، نظروا إلى النفق من الخارج، رفعوا حاجب الدهشة، سألوا بضعة أشخاص عن ملابسات الحادث، ثم عادوا أدراجهم ليكتبوا تقريرًا منمقًا عن مأساة لم يشاهدوها إلا من بعيد.
لكن، لا داعي للقلق، فالسيد الوزير شدد على أن وزارته ملتزمة بكافة القوانين المعمول بها! نعم، تلك القوانين التي تذكر على الورق فقط، وتُترك لتتآكل بفعل الإهمال، تمامًا كما تتآكل معدات السلامة غير المستخدمة في العديد من الأوراش. وأين المقاول في كل هذا؟ إنه يلتزم نظريًا بكل تدابير السلامة، بدءًا من توفير القفازات والكمامات، وصولًا إلى تقديم شهادة تأمين لا تختلف كثيرًا عن شهادة حسن السلوك… شكلية ولا تُستخدم إلا عند الحاجة لتبرير الموقف.
المأساة التي راح ضحيتها خمسة عمال، كشفت لنا أن العمال كانوا يستعينون بقنينات غاز البوتان داخل نفق مغلق، وكأنهم قرروا خوض تجربة “الطبخ تحت الأرض” ولكن على حساب أرواحهم! ولمَ العجب؟ فالمقاولات تعتمد في كثير من الأحيان على وسائل بدائية لإتمام أعمال يفترض أن تُنجز بأحدث المعايير، في غياب أي رقابة فعلية.
ولأننا نعيش عصر “الاستباقية”، فقد أمر الوزير بإجراء تفتيش سريع لكافة أوراش السدود بالمملكة، وهو إجراء لا بد أنه سيثمر عن نتائج مذهلة، تمامًا كما تفعل الرادارات التي يتم تركيبها بعد وقوع حوادث السير القاتلة.
أما العائلات التي فقدت أبناءها، فلها التعازي الحارة، والوعود المتكررة بإجراءات لن تخرج عن كونها بيانات صحفية وتصريحات رسمية مغلفة بكلمات مطمئنة. ويبقى السؤال المطروح: متى يصبح العامل المغربي أهم من دفتر الشروط؟ ومتى تصبح حياة الإنسان أغلى من “تكاليف” تدابير السلامة؟