
عندما تصبح الحكومة تاجر غرامات محترف!
دابا ماروك
حكومة الغرامات: متى ستفرضون ضريبة على الأكسجين؟
في زمن أصبح فيه الفقر جريمة، والحق في الاحتجاج مخاطرة، قررت حكومتنا الموقرة أن تبتكر نموذجًا اقتصاديًا فريدًا من نوعه: اقتصاد العقوبات. لا حاجة بعد الآن للبحث عن استثمارات، ولا جدوى من إصلاح التعليم أو تحسين ظروف العمل، لأن الحل السحري أمامنا: اجعلوا المواطن يدفع!
لقد تجاوزنا مرحلة فرض الضرائب العادية ودخلنا رسميًا عالم الغرامات الفلكية، حيث تتحول حرية التعبير إلى “ترف”، والمطالبة بالحقوق إلى مغامرة غير محسوبة العواقب. فمباركٌ لنا جميعًا هذا الإنجاز التشريعي الجبار، الذي يضع نهاية لكل من تجرأ على الشكوى، أو تسلل إلى عقله حلم تحسين وضعه الاجتماعي.
لا تسأل عن الكرامة.. فقط تأكد أن حسابك البنكي كافٍ لتسديد الغرامات!
في سابقة لم يشهدها التاريخ، قررت حكومتنا الموقرة الانتقال إلى مستوى متقدم من “العدالة الاجتماعية”، حيث يصبح المواطن المخالف مصدر دخل رئيسي للدولة، وكأن الأزمة الاقتصادية ستحل بمجرد تفريغ جيوب المساكين الذين بالكاد يستطيعون توفير ثمن “المسمن” مع كأس الشاي.
بكل ثقة، تخرج علينا مواد قانونية تفرض غرامات تتراوح بين 5,000 و50,000 درهم، في مشهد يبدو كأنه مأخوذ من إحدى مسرحيات الكوميديا السوداء، حيث يتم تجريم الفقير لمجرد أنه فقير، وتجريم العامل لأنه يطالب بحقه، وتجريم الجميع لأنهم لم يتحولوا بعد إلى روبوهات تنفذ الأوامر بلا اعتراض.
عزيزي المواطن.. مرحبًا بك في نادي المديونية!
لنستعرض معًا بعضًا من هذه الأحكام العبقرية التي تثبت أن الحكومة لا تمزح عندما يتعلق الأمر بجيوب الشعب:
تريد ممارسة حقك في الإضراب؟ لا بأس، فقط جهّز 20,000 إلى 50,000 درهم، لأن التعبير عن رأيك في هذا البلد ليس مجانيًا. بل على العكس، مكلف جدًا جدًا!
هل قررتم الإضراب دون إذن رسمي؟ تهانينا! لقد دخلتم رسميًا في نادي المديونية، حيث ستدفعون 10,000 إلى 30,000 درهم لكل رأس بشري تجرأ على التفكير بحرية.
هل رفضت تنفيذ الأوامر كما جاءت في “اللوائح المقدسة”؟ ستدفع 20,000 إلى 50,000 درهم، وربما سيقومون ببيع أحد أعضائك لتعويض ما تبقى.
ماذا لو عدت إلى ارتكاب “جرم” المطالبة بحقوقك؟ لا تقلق، لقد خصصت الحكومة لك مفاجأة جميلة: العقوبة ستتضاعف! لأنك لم تتعلم الدرس بعد، ولأن العقوبات وحدها كفيلة بتحويلك إلى كائن مستسلم لا رأي له ولا إرادة.
هل تخطط الحكومة لتحصيل ثمن الأوكسجين أيضًا؟
مع هذا النهج الجبائي العجيب، يبدو أننا لن نستغرب إذا استيقظنا يومًا على خبر فرض ضريبة على الهواء المستنشق، أو رسم شهري على عدد خطواتك في الشارع، أو حتى فاتورة نهاية العام على عدد المرات التي تجرأت فيها على الضحك رغم الأزمة.
الحكومة تحاول، مشكورة، إقناعنا بأن هذه العقوبات ضرورية لحماية الاقتصاد، وكأن إنعاش الخزينة العامة لن يتحقق إلا بسلب المواطنين آخر درهم في جيوبهم. فهل هذا هو الحل السحري؟ أم أن سياسات الفشل الاقتصادي باتت بحاجة إلى غطاء قانوني يحول كل عامل إلى مديون أبدي؟
العدل للجميع.. لكن ليس بنفس الطريقة!
المثير للسخرية في كل هذا هو أن الغرامات تُفرض فقط على المواطنين العاديين، بينما أصحاب الثروات الطائلة والشركات العملاقة يتمتعون بإعفاءات ضريبية سخية، بل وربما تقدم لهم مكافآت على “نجاحهم” في امتصاص عرق العمال بأجور لا تكفي لشراء نصف كيلو لحم.
خاتمة: أيها المواطن، ادفع أو مت جوعًا!
نحن في زمن تُفرض فيه الغرامات بسخاء على من لا يملك المال، بينما ينجو اللصوص الكبار بجرائمهم تحت حماية القانون.
لذلك، عزيزي المواطن، لا تتعب نفسك بالإضراب، ولا بالمطالبة بحقوقك، فقط اجلس في زاوية بيتك وانتظر دورك.. لأن الجوع، في النهاية، أرخص من هذه الغرامات!