التمييز يمتد إلى تحت الأرض: تأملات في واقع المقابر المغربية
دابا ماروك
في المغرب، حيث يتداخل التاريخ مع الحاضر وتتنوع التقاليد الثقافية والدينية، يبرز التمييز كظاهرة مؤلمة تطال جميع مناحي الحياة. لكن الأكثر إثارة للدهشة هو امتداد هذا التمييز إلى عالم الموتى، حيث يُفترض أن تنتهي جميع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بمجرد الانتقال إلى العالم الآخر. المقابر، التي يُفترض أن تكون مساحات للهدوء والمساواة، أصبحت مرآة للواقع المرير الذي نعيشه فوق الأرض. إن هذا التناقض الصارخ بين قدسية الموت وانعدام العدالة الاجتماعية يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن أن نطالب بمساواة في الحياة ونحن عاجزون عن تحقيقها حتى في الموت؟
مقابر الأجانب: نموذج للنظام
عندما نتأمل مقابر الأجانب في المغرب، نلاحظ أنها غالبًا ما تكون منظمة، نظيفة، ومتناسقة. القبور هناك لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض، مما يعكس احترامًا واضحًا لحرمة الموتى، بغض النظر عن أصولهم أو انتماءاتهم. هذا النموذج يمكن أن يُعتبر تجسيدًا لقيم المساواة والكرامة التي تُفتقد أحيانًا في التعامل مع مقابر المغاربة.
مقابر المغاربة: صورة فوضوية وتمييز صارخ
على النقيض، فإن الواقع في معظم المقابر المغربية يعكس حالة من الفوضى وعدم التنظيم. يتجلى ذلك بشكل واضح في انتشار الممارسات التي تحوّل بعض القبور إلى “عقارات” تخضع للمزايدات. هذا، دون الحديث عن انتشار الأزبال والحشرات وأحيانا حتى الثعابين.
بيع قطع أرضية داخل المقابر
من الظواهر التي أصبحت تثير استياء المجتمع هي قيام بعض الأفراد بشراء قطع أرضية داخل المقابر بهدف دفن أقاربهم في أماكن مميزة. هذا السلوك لا يُعتبر فقط استفزازًا لباقي الموتى وأسرهم، بل يعكس أيضًا ظاهرة “الفساد حتى في الموت”. هذه الظاهرة تضع تساؤلات عميقة حول كيفية السماح بتحويل المقابر إلى أماكن لعرض الفوارق الطبقية.
أثر الظاهرة على المجتمع
- فقدان قدسية المقابر: تتحوّل المقابر من أماكن للتأمل والهدوء إلى ساحات للتمييز الاجتماعي.
- تآكل القيم الدينية والأخلاقية: يُفترض أن القبور تمثل العدالة المطلقة، حيث لا فرق بين غني وفقير، لكن الواقع يُبرز تناقضًا واضحًا مع هذه الفكرة.
- تشويه صورة العدالة الاجتماعية: إذا كان الموت، الذي يُعتبر القاسم المشترك بين البشر، لا يحقق المساواة، فماذا نتوقع من جوانب الحياة الأخرى؟
المسؤولية والحلول
- دور السلطات المحلية: يجب على السلطات المحلية أن تتدخل بحزم لمنع هذه الممارسات من خلال وضع قوانين صارمة تُجرّم بيع الأراضي داخل المقابر أو أي نوع من التمييز في تخصيص القبور.
- تنظيم المقابر: اعتماد نظام موحّد لتنظيم المقابر، بما يضمن المساواة والاحترام لجميع الموتى.
- تعزيز الوعي الاجتماعي: ضرورة توعية المجتمع بأهمية احترام حرمة الموتى وتعزيز القيم الدينية التي تدعو إلى المساواة.
- مراقبة الفساد: تشكيل لجان مستقلة لمراقبة المقابر وضمان عدم استغلالها لأغراض مادية أو طبقية.
خاتمة
إن التمييز تحت الأرض ليس مجرد ظاهرة مادية، بل هو انعكاس لما يحدث فوق الأرض. إذا أردنا بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة، فلا بد أن نبدأ من إعادة ترسيخ هذه القيم حتى في أماكن الموت. إن احترام القبور لا يعبر فقط عن احترام الموتى، بل هو شهادة على مدى تحضرنا كمجتمع.
ويمكننا القول إن تحسين أوضاع المقابر في المغرب ليس مجرد مسؤولية أخلاقية ودينية، بل هو واجب وطني يعكس مدى التزامنا بالقيم الإنسانية والمبادئ التي تجمعنا كبشر. إن بناء مجتمع تسوده العدالة يبدأ من احترام كرامة الإنسان حيًا وميتًا، ومن الضروري أن نعمل على جعل المقابر نموذجًا يُحتذى به في تنظيمها ونظافتها ومساواتها. فالقبور ليست فقط مكانًا للراحة الأبدية، بل هي أيضًا مرآة تعكس مدى تقديرنا للحياة والموت. علينا أن نتذكر دائمًا أن المساواة التي ننشدها في الحياة يجب أن تكون حاضرة في الموت، وأن احترامنا للموتى هو امتداد لاحترامنا لأنفسنا ولمجتمعنا.