إشكالية التعليم الأولي في المغرب: قراءة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وآثاره الاجتماعية
دابا ماروك
في سنة 2000، تم إصدار الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي مثل حينها خطوة طموحة نحو إصلاح قطاع التعليم بالمغرب. من بين البنود المهمة التي جاء بها الميثاق، التأكيد على حق الأطفال بين سن 4 و5 سنوات في التعليم الأولي. بيد أن هذه الخطوة، ورغم أهميتها المبدئية، كشفت عن تحديات جوهرية تتعلق بالموارد البشرية والبنية التحتية، مما أدى إلى خلق مبادرات متسرعة وغير مدروسة.
الشراكة مع المجتمع المدني: حل أم هروب من المسؤولية؟
أمام النقص الحاد في الأطر التربوية القادرة على تغطية التعليم الأولي بجميع أنحاء المملكة، لجأت الدولة إلى ما وصف بـ”الشراكات” مع المجتمع المدني. هذا النموذج كان يُفترض أن يشكل حلاً مؤقتًا لسد الخصاص، إلا أنه أدى إلى مشاكل أعمق. فقد أوكلت مسؤولية إدارة التعليم الأولي، بما في ذلك التوظيف ودفع أجور المربيات والمربين، إلى الجمعيات المعنية بالشراكات.
هذا الوضع أفرز اختلالات عديدة:
- خصاص في الكفاءات التربوية: تم الاعتماد على مربيات ومربين بعدد محدود، وغالبًا دون تدريب كافٍ يلبي المعايير التربوية المطلوبة.
- ضعف الأجور وهشاشة الوضعية الاجتماعية: الأجور التي تتلقاها المربيات والمربون تُعتبر أقل بكثير من تلك التي يتقاضاها حراس الأمن الخاص. هذا الوضع لا يضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، بل يضعهم في دائرة الهشاشة الاقتصادية والنفسية.
- إشكالية الجمعيات: الجمعيات التي تدير هذا القطاع تعاني من انعدام الرقابة الصارمة، حيث أن عددها الكبير يقارب عدد سيارات الأجرة في المغرب، مما يثير تساؤلات حول الشفافية والكفاءة في إدارة هذا الملف.
واقع الاحتجاجات: صرخة ألم في وجه التجاهل
الاحتجاجات الأخيرة التي نظمتها هذه الفئة تجسد حالة الغليان الاجتماعي التي تعيشها. مطالبهم تتجاوز تحسين الأجور إلى المطالبة بالاستقرار النفسي والاجتماعي. في وطن يُتقن “فن التشريد”، كما وصف أحد المحتجين، أصبح من الضروري طرح أسئلة جوهرية حول المسؤولية والعدالة الاجتماعية.
غياب النقابات الفاعلة: ضعف التأطير النقابي
النقابات، التي يفترض أن تكون صوت الفئات المهمشة، اكتفت ببيانات ووقفات خجولة، دون تقديم حلول عملية. هذا الغياب يفتح الباب أمام تساؤلات حول دورها الحقيقي في الدفاع عن حقوق المربيات والمربين وتأطير نضالاتهم.
نحو تأطير قانوني وإنساني للتعليم الأولي
لتجاوز هذه المعضلة، يمكن اقتراح حلول عملية تشمل:
- إدماج المربيات والمربين في القطاع العمومي: من خلال وضع عقود قانونية تضمن لهم حقوقًا كاملة في الأجور والتغطية الاجتماعية.
- إعادة هيكلة الجمعيات: إخضاعها لرقابة صارمة تضمن الشفافية وحسن التدبير، وربط تمويلها بتحقيق نتائج ملموسة في تحسين جودة التعليم.
- تحفيز الكفاءات التربوية: تقديم برامج تكوين مستمرة لتحسين مهارات المربيات والمربين ورفع كفاءتهم المهنية.
- تفعيل دور النقابات: من خلال تعزيز وجودها في الميدان والعمل على برامج عملية للدفاع عن هذه الفئة بدل الاكتفاء بالشعارات.
خاتمة
إصلاح التعليم الأولي لا يمكن أن يتم بالحلول السطحية أو التدابير المؤقتة. إن هذه الفئة الهشة تمثل العمود الفقري للجيل القادم، واستمرارها في وضعية الهشاشة يهدد مستقبل التعليم برمته. لا بد من مقاربة شاملة، إنسانية وقانونية، تعيد لهذه الفئة كرامتها وتضمن لأطفال المغرب حقهم الكامل في تعليم أولي بجودة عالية.