المغرب: وطن الدموع الصامتة
م-ص
في زقاقٍ مهجور، تسير أمينة بخطوات بطيئة تحمل في يديها كيسًا بلاستيكيًا يكاد يُفشي سرَّ فقرها. في عينيها نظرة حائرة تسرد آلاف القصص عن أحلامٍ ماتت في مهدها. أمينة كانت يومًا تلميذة متفوقة، تحلم بأن تصبح طبيبة تعالج جراح الناس، لكنها الآن لا تجد من يداوي جراحها.
في جبال الأطلس، حيث البرد سيد الموقف، يعيش الحسين وعائلته في بيتٍ من الطين. كل شتاء، يُحاصرهم الثلج، ويُحاصرهم أكثر غياب المساعدة. بين ليلة وضحاها، يتحوّل البيت إلى سجن، والجوع إلى زائر دائم. يخبّئ الحسين ألمه بابتسامة يُخادع بها أبناءه، لكن تلك الابتسامة لا تدفئ القلوب حين تنقطع الكهرباء وتنعدم الحطب.
وفي مدن الصفيح، حيث الأحلام تتقاسم المكان مع القمامة، تقف ليلى أمام نافذة صغيرة تشاهد أطفالًا بملابس نظيفة يذهبون إلى المدرسة. تسأل أمها: “علاش ماشي أنا بحالهم؟” فتردّ الأم بنبرة مخنوقة: “هكذا كتبت علينا الدنيا، يا بنيتي.” تمسح ليلى دموعها، لكنّ السؤال يبقى عالقًا في قلبها كشوكة.
وفي زوايا الوطن، يجلس شباب على حافة الأرصفة، يحملون شهادات جامعية صارت عبئًا بدل أن تكون مفتاحًا. يحملون معها خيبة أملهم، يطاردون فرصًا تظل دائمًا خارج المتناول. كلّما سألهم أحدهم عن أحوالهم، أجابوا بنكتة مغلفة بسخرية: “كنتسناو نكونو وزيرين، بحال الوزراء اللي كيتخرجو بلا شهادة!”.
من طنجة إلى الكويرة، تشترك العيون في لغة الدموع، تلك التي تسقط بصمت. هي دموع الأرامل اللائي يُكافحن لأجل لقمة العيش، دموع الآباء الذين يعودون إلى بيوتهم خاليي الوفاض، ودموع الأطفال الذين يحلمون بوطنٍ يحتضنهم بدل أن يُقصيهم.
ولكن، وسط كل هذه الدموع، يبقى الأمل هناك، كنجمةٍ خافتة تظهر في أحلك الليالي. المغاربة يبكون، نعم، ولكنهم لا ينكسرون. ينهضون كل صباح، يحملون على ظهورهم أعباء الوطن، ويواصلون المسير.
هكذا هو المغرب حين يبكي: وطنٌ يحزن بصمت، لكنه يُقاوم بصبر.