الصحافة المغربية بين الافتقار للمهنية وفساد الضمير: واقع مؤلم لمهنة كانت في يوم من الأيام صوت الشعب
م-ص
اليوم، لم تعد الصحافة كما كانت في الماضي، حيث كانت تشكل أداة فاعلة في تحقيق العدالة الاجتماعية وفضح الفساد. أصبحت، للأسف، صورة الصحافة في العديد من الساحات مشوّهة بسبب ممارسات غير مهنية من بعض الذين يزعمون أنهم صحفيون، بينما هم في الواقع لا يعدون أكثر من أدوات رخيصة بيد من يسعون لتحقيق مصالح شخصية ضيقة. فبدلاً من أن تكون الصحافة صوت الشعب، تحولت في بعض الحالات إلى سوق للابتزاز والتسويق الرخيص لأجندات خاصة.
في المغرب، تشير العديد من التقارير والملاحظات الميدانية إلى أن أكثر من 90% من الذين يُطلق عليهم صحفيون يعانون من الأمية الصحفية، ولا يتعدون القدرة على كتابة رسالة شخصية بسيطة، فما بالك بكتابة مادة صحفية متكاملة؟ فإذا كانت القدرة على التعبير السليم والوصول إلى الجمهور عبر الكلمات والعبارات هي جوهر المهنة الصحفية، فإن بعض الأفراد الذين يتلاعبون بالألفاظ لمصالحهم الشخصية يهددون جوهر هذه المهنة. هؤلاء الذين يعتمد عليهم للعب أدوار “الطبالة” و”الزمارين” لتغطية “مشاريعهم الإعلامية” أو للحصول على تغطية إعلامية مقابل “بقشيش” لا يعرفون شيئًا عن الصحافة ورسالتها. إنهم مستعدون لبيع أقلامهم وضمائرهم مقابل حفنة من المال.
الأمر المؤسف هو أن هذه الفوضى لا تقتصر على الأشخاص فقط، بل طالت حتى الأسر بأكملها، حيث نرى الأب والابن أو البنت والزوجة يشاركون في تغطية الأحداث والأنشطة المحلية الرسمية وغير الرسمية، فتصبح هذه التغطيات مجرد مسرحيات هزلية، هدفها التسلية أكثر من السعي نحو كشف الحقيقة أو تحسين الواقع. ومن المؤسف أن هذه الأنشطة التي يُروج لها تحت شعارات “الاحتراف” لا تثير في النفس سوى الحزن أكثر من السخرية.
ما يثير الأسى أيضًا هو أن الكثيرين مستعدون للمنافسة في المهنة بتقديم محتوى لا يختلف عن أدوار “المقدمين والشيوخ”، بل أصبح بعضهم مجرد ناقل لما يسمعه من الآخرين، دون أي قدرة على ترك بصمة مهنية أو تقديم قيمة مضافة. والأسوأ من ذلك هو انتشار ظاهرة “الشكامة” التي ابتُلي بها هذا الجسم الصحفي، حيث أصبح بعض الأشخاص يتخذون من التبليغ ونقل الأخبار المغلوطة مهنة لهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الصحافة مهنة صعبة، تزهق الأرواح في الحروب والنزاعات، حيث يتقدم الصحفيون ليشهدوا الحقائق المروعة ويكافحون من أجل نقلها دون خوف أو تردد. ولكن، في بعض الأحيان، نجد أن الصحافة في وطننا أصبحت فريسة للمصالح والأهواء الرخيصة، ففسدت المبادئ الأساسية للمهنة، ليصبح سوقا تابع لمن يدفع أكثر. الصحافة الحقيقية هي تلك التي تقوم على المبادئ الصلبة ولا تُشترى ولا تُباع، لكننا في المغرب، أمام هذا الكم من الممارسات المشبوهة، نشهد للأسف فساد المهنة، حيث تحولت الصحافة إلى “جوطية” تستقطب كل من هبّ ودبّ، وأصبح الباب مفتوحًا لكل من لا يمتلك أي معرفة أو قدرة على ممارسة المهنة، ليحترفوا التلاعب بالكلمات والنقل المشوّه دون أي احترام لقيم صاحبة الجلالة وأخلاقياتها.