الملك محمد السادس: الصحراء مغربية والواقع يفرض نفسه على أوهام الماضي!
دابا ماروك
في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، قدم جلالة الملك محمد السادس رؤية شاملة لما تحقق في الصحراء المغربية على مدى العقود الماضية، بالإضافة إلى توجيه رسائل حاسمة في عدة قضايا مرتبطة بالوحدة الترابية والتحديات الإقليمية والدولية. خطاب الملك كان بمثابة تأكيد على الواقع الثابت لمغربية الصحراء من جهة، وتعبير عن إصرار المملكة على الدفاع عن سيادتها ضد الأطروحات المعاكسة من جهة أخرى.
الاعتزاز بالتاريخ والتركيز على الإنجازات
جاء الاستهلال في الخطاب ليؤكد على العزة الوطنية والاعتزاز بالتاريخ، حيث تم التأكيد على أن “المسيرة الخضراء” لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل هي “مسيرة سلمية وشعبية” نجحت في استرجاع الصحراء المغربية، وتعزيز الارتباط العميق لسكانها بالوطن الأم. وقد وصف الملك هذا الإنجاز بـ “الواقع الملموس” و”الحقيقة لا رجعة فيها”، وهو تذكير بمسيرة شعبية أظهرت وحدة المغاربة في مختلف جهاتهم.
ثم أورد الملك ثلاث نقاط أساسية تبرز النجاح الذي تحقق في الصحراء المغربية:
- تشبث أبناء الصحراء بمغربيتهم: حيث أكد على العهد التاريخي المتجدد بين سكان الصحراء وملوك المغرب، وهو ما يعكس ثبات الولاء الوطني.
- النهضة التنموية والأمن والاستقرار: لفت الملك إلى الإنجازات التنموية التي شهدتها الصحراء المغربية، التي جعلتها نموذجًا للأمن والاستقرار في المنطقة.
- الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء: اعترافات الأمم المتحدة والعديد من الدول بمغربية الصحراء، وكذلك الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، مما يعزز شرعية الموقف المغربي في الصراع حول الصحراء.
الرد على الأطروحات المعاكسة
لم يكن خطاب الملك مجرد سرد لما تحقق، بل كان أيضًا ردًا على بعض الأطروحات التي لا تزال تروج لمواقف معاكسة لمغربية الصحراء. في هذا السياق، أشار الملك إلى “عالم آخر”، وهو عالم يعيش في أوهام الماضي ويرفض قبول الحقائق الجديدة. فالمطالبة بالاستفتاء، رغم أن الأمم المتحدة قد تخلت عنه، وتوظيف قضية الصحراء لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، كان محورًا مهمًا في حديثه.
واستمرارًا لرفض هذه الأطروحات، أكد الملك أن المغرب لا يرفض التعاون مع دول الساحل لتحقيق التقدم المشترك، لكن ذلك لن يكون على حساب وحدته الترابية أو سيادته الوطنية. كما أن محاولات تشويه الجوانب القانونية لتغذية أهداف سياسية ضيقة ستكون مرفوضة.
الدعوة إلى مسؤولية الأمم المتحدة وتوضيح الفرق بين الواقع والأوهام
في خطوة حاسمة، دعا الملك الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها كاملة، مطالبًا بتوضيح الفرق الكبير بين الواقع الشرعي الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين تلك الأطروحات المجمدة التي تقف بعيدًا عن الواقع وتطوراته. كان هذا دعوة للشرعية الدولية لتدعيم موقف المغرب، وتقديم دعم حقيقي لمساعيه السلمية والتفاوضية.
الحديث عن الجالية المغربية بالخارج
في سياق متصل، ركز الملك في خطابه على الجالية المغربية بالخارج، مشيدًا بدورها الفاعل في الدفاع عن الوطن والمساهمة في تنميته. وأعلن عن خطوة هامة في مجال تدبير شؤون الجالية، عبر إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها لضمان تناسق أكبر واستجابة لمتطلبات هذه الفئة الحيوية. وأشار إلى إنشاء “مجلس الجالية المغربية بالخارج” كإطار دستوري مستقل من أجل تعزيز التواصل الفعال مع مختلف مكونات الجالية، بالإضافة إلى إنشاء “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، والتي ستقوم بتنسيق وتنفيذ السياسات الوطنية الخاصة بالجالية.
كما شدد الملك على أهمية فتح آفاق جديدة للاستثمار أمام المغاربة المقيمين بالخارج، مؤكدًا أنه من غير المعقول أن تظل مساهمتهم في الاستثمارات الوطنية في حدود 10%. هذه الرسالة كانت واضحة: ينبغي تعزيز دور الجالية في الاقتصاد الوطني ودفعهم إلى المساهمة في النمو الاقتصادي للمغرب.
الروح الوطنية والتعبئة من أجل الوحدة الترابية
ختم جلالة الملك خطابه بالإشارة إلى “التضحيات التي قدمها جيل المسيرة الخضراء”، مما يعكس دعوة للمواطنين للمزيد من التعبئة واليقظة لتعزيز ما تحقق من مكاسب في ترسيخ مغربية الصحراء، والاستمرار في النهضة التنموية التي شهدتها الأقاليم الجنوبية. ودعا إلى أن تشمل ثمار التقدم جميع المواطنين، من مختلف جهات المملكة، من الريف إلى الصحراء، ومن الجبال إلى السهول، ما يعكس رؤية شاملة لتطوير جميع مناطق المملكة.
خلاصة التحليل
من خلال هذا الخطاب، يُظهر جلالة الملك محمد السادس القيادة الحكيمة التي تولي أهمية خاصة للحفاظ على سيادة المغرب وحقوقه الوطنية، مع التأكيد على أن قضية الصحراء ليست مجرد نزاع إقليمي، بل قضية شرعية تدعمها الحقائق التاريخية والواقع الدولي. كما يعكس الخطاب رسالة قوية بأن المغرب عازم على إتمام مشواره التنموي، مع تعزيز ارتباط الجالية المغربية بالخارج بالمغرب ومشاركتها الفاعلة في مختلف مجالات الحياة الوطنية.