جيل الترف والاعتماد: عندما تُستنزف مدخرات الآباء لإرضاء نزوات الأبناء!
دابا ماروك
في زمن السرعة والتغيرات المتلاحقة، يُلاحظ أن الجيل الجديد بات يعتمد بشكل كبير على دعم الوالدين، ليس فقط في تلبية احتياجاته الأساسية، بل أيضًا في تحقيق رغباته المترفة. يتميز هذا الجيل بنزعة إلى السلوك المتهور، حيث يتبنى أسلوب حياة لا يعترف بالحدود أو المسؤولية الشخصية. لقد أصبحت مظاهر الاستهلاك والتفاخر محور اهتمام الكثير من الشباب، مما خلق ضغوطًا مادية واجتماعية هائلة على الأسر.
الإنفاق الباهظ على الملابس العصرية والتعليم الخاص المترف لا يعد مجرد رفاهية، بل أصبح أشبه بضرورة يتسابق إليها الشباب لإثبات مكانتهم الاجتماعية. وفي كثير من الأحيان، يتطلب تحقيق هذه المطالب استنزاف مدخرات الأسرة أو التضحية بأولويات أكثر أهمية. ما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن بعض الشباب لا يدركون حجم التضحيات التي يقدمها آباؤهم، ويظلون يطالبون بالمزيد، مدفوعين برغبة أنانية في التميز والمواكبة.
هذا التهور المفرط لا يقتصر على الجانب المادي فحسب، بل يمتد إلى نمط الحياة اليومي، حيث ينصب اهتمامهم على إشباع الرغبات الآنية دون التفكير في العواقب. فالاعتماد الكلي على دعم الأهل، سواء في المأكل أو المسكن أو حتى في اتخاذ القرارات المصيرية، جعل الكثير منهم عاجزين عن مواجهة التحديات أو الاعتماد على أنفسهم في أبسط الأمور. هذا الاستهلاك المفرط يعكس أزمة أعمق تتعلق بفقدان الإحساس بالمسؤولية، مما يطرح تساؤلات ملحة حول كيفية بناء جيل أكثر استقلالية ونضجًا، قادرًا على اتخاذ قرارات رشيدة وصائبة في عالم سريع التحول.
- الثقافة الرقمية وتأثيرها على السلوك
يعيش الجيل الجديد في عالم رقمي يهيمن عليه التواصل عبر الإنترنت، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتهم. ومع ذلك، فإن هذا الاستخدام المكثف للتكنولوجيا له تأثيرات عميقة على سلوك الشباب. فمواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، توفر بيئة تعج بالمقارنات الاجتماعية والضغوط لتحقيق معايير غير واقعية من الجمال والنجاح. هذه الضغوط قد تؤدي إلى تدهور الصحة النفسية، مثل القلق والاكتئاب، وإلى الانحراف السلوكي الذي يشمل التمرد والتقليد الأعمى للسلوك غير الصحي.
تروج بعض المحتويات الرقمية للعنف والتطرف، مما يجعل الشباب أكثر عرضة لتبني سلوكيات عدوانية أو غير أخلاقية. وقد يخلق التفاعل المستمر مع هذا المحتوى انفصالًا بين القيم الحقيقية والقيم المتخيلة، حيث تتراجع مفاهيم الاحترام والتعاون لصالح الأنانية والمظاهر.
- المدمنون وغير المدمنين
ما يلفت الانتباه في هذا الموضوع هو التركيز على أن الانحراف السلوكي لا يقتصر على المدمنين بالمعنى التقليدي، بل يشمل أيضًا أولئك الذين يبدون طبيعيين في الظاهر. مفهوم “الذكاء القذر” أو استخدام الذكاء لتحقيق غايات غير أخلاقية يعكس تحولًا في القيم، حيث أصبح الذكاء وسيلة للتحايل بدلاً من أن يكون وسيلة لتطوير المجتمع. السلوكيات التي تتسم بالذكاء الزائف، مثل التلاعب وعدم تحمل المسؤولية، تعكس تراجعًا في القيم الأخلاقية، وربما يعود ذلك إلى الإهمال في التوجيه والتربية السليمة.
- أسباب الانحرافات السلوكية
الأسباب الكامنة وراء انحراف الشباب معقدة ومتعددة الأبعاد. التفكك الأسري، على سبيل المثال، يترك فراغًا عاطفيًا ونفسيًا لدى الأبناء، مما يدفعهم للبحث عن الانتماء في أماكن أخرى قد لا تكون صحية. غياب الرقابة الأبوية أو ضعف التوجيه الأخلاقي يجعل الشباب عرضة للتأثيرات السلبية. من الناحية الاجتماعية، يساهم الفقر والبطالة في شعور الشباب باليأس، مما يدفعهم لتبني سلوكيات غير مقبولة كوسيلة للهرب من واقعهم القاسي. في هذا السياق، يصبح الانحراف السلوكي نتيجة طبيعية للبيئة المحبطة التي يعيش فيها العديد من الشباب.
- الحاجة إلى التوجيه
معالجة هذه الظواهر تتطلب مقاربة شاملة تشمل الأسرة والمدرسة والمجتمع. يجب أن تلعب الأسر دورًا رئيسيًا في توجيه الشباب وتوفير بيئة داعمة ومستقرة، مع تعزيز القيم الأخلاقية. دور المؤسسات التعليمية لا يقتصر على التعليم الأكاديمي، بل يجب أن يمتد ليشمل التوعية بمخاطر الانحرافات السلوكية وأهمية بناء شخصية متوازنة. المجتمعات المحلية يمكن أن تساهم من خلال تنظيم برامج توعوية وتوفير فرص للشباب للانخراط في أنشطة مفيدة. التعاون بين جميع هذه الأطراف أمر حاسم لإحداث تغيير إيجابي.
الختام
الجيل الجديد يواجه تحديات معقدة، من التغيرات التكنولوجية إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. من المهم أن نفهم أن الانحراف السلوكي ليس مجرد نتيجة لاختيارات فردية، بل هو أيضًا انعكاس للبيئة الاجتماعية. من خلال تعزيز التوعية والدعم، يمكن للمجتمع أن يلعب دورًا في بناء جيل أقوى وأكثر وعيًا بقيمه الإنسانية، قادر على مواجهة التحديات وبناء مستقبل أفضل.