الرأي

الإحصاء في المغرب: هل تكفي البيانات لحل الأزمات؟

محمد أبناي

الجدل المحتدم بين أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، وبعض المحامين حول مسألة حرية التصريح أثناء عملية الإحصاء يعكس تناقضات عميقة في إدارة الأزمات الاجتماعية والتنموية. الحليمي يدعو إلى ضرورة توفير معطيات دقيقة ومفصلة عن السكان، ويعتبر أن الحصول على مثل هذه البيانات هو الخطوة الأولى نحو صياغة سياسات فعالة لمواجهة التحديات التي تواجه قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والسكن، والشغل. بالنسبة له، كلما كانت البيانات والمعطيات قريبة من الواقع، كان بإمكان الدولة تقديم حلول أكثر فعالية للأزمات.

لكن، هل يكفي توفر المعطيات الدقيقة وحده لتحسين الأوضاع؟ هذا السؤال يفتح الباب لنقاش أعمق حول دور الإرادة السياسية في تحويل هذه المعطيات إلى سياسات فعالة. فرغم أهمية جمع البيانات في أي عملية تخطيط استراتيجي، إلا أن الإرادة السياسية تظل العنصر الحاسم في تحديد مدى نجاح أو فشل السياسات العامة. قد تكون المعطيات متوفرة ودقيقة، ولكن إذا غابت الإرادة السياسية الصادقة، فإن هذه المعطيات تصبح مجرد أرقام لا تُترجم إلى أفعال على أرض الواقع.

معضلة الإرادة السياسية:

الإرادة السياسية تتطلب التزامًا حقيقيًا من قبل الفاعلين السياسيين لتبني وتنفيذ السياسات القائمة على البيانات. ومع ذلك، كثيرًا ما تواجه هذه الإرادة تحديات كبيرة، مثل الفساد، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وتأثيرات المصالح الخاصة. في المغرب، كما في العديد من الدول الأخرى، يمكن أن تكون هذه العوامل عائقًا أمام تحقيق التغيير الفعلي، حتى في حال توفر المعطيات الدقيقة.

عندما يتحدث الحليمي عن “قرب المعطيات من الواقع”، فهو يشير إلى أهمية أن تكون البيانات واقعية ودقيقة لتعكس الاحتياجات الفعلية للمجتمع. ولكن، من دون إرادة سياسية قوية، تظل هذه المعطيات غير مجدية. فالمسألة لا تتعلق فقط بوجود المعطيات، بل بقدرة الفاعلين السياسيين على استخدام هذه المعطيات بشكل يحقق المصلحة العامة، وليس لخدمة مصالحهم الخاصة أو لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

التوازن بين الحقوق الفردية والمصالح العامة:

إضافة إلى ذلك، يثير هذا الجدل أيضًا قضية أخرى تتعلق بالتوازن بين جمع البيانات لأغراض التخطيط والسياسات العامة وبين احترام الخصوصية والحقوق الفردية. المحامون الذين يعارضون بعض جوانب عملية الإحصاء قد يفعلون ذلك من منطلق الدفاع عن حقوق الأفراد في الاحتفاظ بخصوصياتهم وحرية التعبير عن هوياتهم. هذا الجدل يعكس تحديًا حقيقيًا حول كيفية تحقيق التوازن بين الحاجة إلى بيانات دقيقة لأغراض التنمية، وبين الحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم.

الثقة بين الدولة والمجتمع:

الثقة هي عنصر أساسي في أي عملية جمع بيانات. إذا كان هناك نقص في الثقة بين المجتمع والدولة، فإن الأفراد قد يكونون أقل استعدادًا للتعاون والإدلاء بمعلومات دقيقة. في حالة المغرب، يظهر الجدل حول الإحصاء كدليل على انعدام الثقة المتبادل بين المواطنين والسلطات. لتعزيز هذه الثقة، يجب أن تكون هناك شفافية أكبر في كيفية استخدام البيانات وضمانات لحماية خصوصية الأفراد.

خلاصة:

المسألة تتجاوز مجرد جمع بيانات دقيقة. إنها تتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية لدى صانعي القرار لاستخدام هذه البيانات بفعالية لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وحتى إذا توفرت هذه الإرادة، يبقى التحدي في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع وضمان التوازن بين حقوق الأفراد ومتطلبات التنمية. في نهاية المطاف، القدرة على تحقيق التغيير الإيجابي تعتمد على مدى استعداد الفاعلين السياسيين لتحويل البيانات إلى سياسات تخدم المصلحة العامة، وليس فقط لتحقيق مكاسب قصيرة المدى أو الحفاظ على الوضع القائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى