سياسة

سياسة “الجُملة”: عندما يتحوّل المغرب إلى حديقة أحزاب سياسية

م-ص

في المغرب، حيث السياسة شجرة وارفة بثمار “التعددية”، وحيث العواصف الانتخابية تُثمر أحزابًا جديدة مع كل موسم صيد للأصوات، نجد أنفسنا على وشك تحقيق رقم قياسي عالمي لا ينافسه إلا عدد أنواع النعناع في الأسواق الأسبوعية!

الأحزاب السياسية: كل موسم وجديده
تخيل عزيزي القارئ أن كل دول العالم التي حققت إنجازات هائلة في النضال السياسي وحقوق الإنسان بالكاد تُحصي أحزابها على أصابع اليد الواحدة. أما نحن، فنفخر بحزمة من الأحزاب السياسية تكاد تضاهي سور الصين العظيم في طوله. والسبب؟ لا نعرف! لكننا نعلم أن أي جماعة من الناس تقرر أنها “غاضبة قليلاً من الوضع”، تكفي لتؤسس حزبًا جديدًا.

فها هو حزب “التجديد والتقدم” يطل علينا كأنه ضيف شرف في حفل زفاف وطني. ومع أن الاسم يوحي بأنه سيكون الحدث الأهم، فإنك سرعان ما تدرك أنه مجرد فصل جديد من رواية طويلة عنوانها “الزمن الضائع“.

الجريدة الرسمية: دليل الحفلات السياسية
بحسب العدد 7360 من الجريدة الرسمية، فإن تأسيس حزب جديد يتطلب إجراءات بسيطة جدًا: تصاريح، برنامج مكتوب، التزامات شخصية من 418 فردًا يبدو أنهم قرروا ملء وقت فراغهم بمغامرة سياسية جديدة. ولكن، وكعادة كل شيء عندنا، يأتي المنشور ليقول: “هذا لا يعني أن الأمور قانونية بعد، لكن دعونا نستمتع باللحظة!”

الدعم المادي والمعنوي: حين تكون الأحزاب مشروعًا اقتصاديًا
في بلد حيث دعم الأحزاب أشبه بمنح جوائز “تشجيع المشاركة”، نجد أنفسنا أمام نموذج فريد: كلما اقتربت الانتخابات، ولدت أحزاب جديدة. ومع الدعم المالي السخي الذي تحصل عليه، يبدو الأمر وكأنه مشروع اقتصادي مضمون الأرباح. وبما أن الحزب الجديد يحمل اسمًا جذابًا، فلا شك أن تمويله سيحظى بحفاوة كبيرة، تمامًا كما يحدث مع العلامات التجارية الجديدة التي تغزو الأسواق.

الأحزاب: تعددية أم فوضى؟
الحقيقة المرة أن التعددية الحزبية التي نتباهى بها ليست بالضرورة علامة على الديمقراطية الحقة. بل على العكس، في دول العالم المتقدم، الأحزاب قليلة لكنها قوية ومتماسكة. أما عندنا، فالتعددية غالبًا ما تعني التشتيت والفوضى.

ما الهدف؟
يبقى السؤال: هل نحتاج فعلًا إلى كل هذه الأحزاب؟ هل المواطن المغربي يجد فرقًا حقيقيًا بين حزب وآخر؟ أم أن الأحزاب أصبحت مجرد منصات لتوزيع المناصب وإعادة تدوير نفس النخب؟

ربما حان الوقت لتغيير قواعد اللعبة. لا بأس أن نعيد النظر في قوانين تأسيس الأحزاب، وأن نرفع سقف المسؤولية والكفاءة بدل أن نحول السياسة إلى “بازار” مفتوح لكل من هب ودب.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نهنئ “التجديد والتقدم” على انضمامه إلى النادي الكبير. ونقول للمغاربة: احجزوا أماكنكم، فنحن على وشك رؤية النسخة المغربية من موسوعة غينيس للأرقام القياسية… في عدد الأحزاب السياسية!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى