من أين لك هذا؟!… المغرب في زمن الغلاء الفاحش
مواطن كادح
في بلد عُرف بأطباقه الشهية وتنوع مواده الغذائية، يجد المواطن المغربي نفسه اليوم أمام سؤالٍ وجوديٍّ لا يُجاب عليه بسهولة: “من أين لي أن أشتري الخبز هذا اليوم؟!”. ولعل هذا السؤال الذي كان قبل سنوات يعتبر من رفاهية التفكير في المستقبل، أصبح اليوم واقعاً مريراً يعيشه المغاربة يومياً في زمن أصبح فيه التسوق أشبه بجولة سياحية في متحف الأسعار الجنونية.
لقد تحول المغرب من بلد يتميز بجماله الطبيعي وثقافته الغنية إلى واحد من أغلى البلدان في العالم. نعم، فبلادنا الجميلة، التي كانت يوماً مقصد السياح للاستمتاع بالطبيعة والمأكولات التقليدية، باتت تنافس أكبر الدول العالمية في شيء واحد: أسعار المواد الأساسية.
تصاعدت الأسعار بشكل غير مسبوق، ولم يعد الهمّ اليومي للمغاربة هو كيفية توفير لقمة العيش، بل كيفية تسديد فاتورة الحياة. إذا كنت تظن أن القدرة على شراء كيلوغرام من التفاح أو بضع حبات من التمر لا تتطلب تخطيطاً مالياً محكماً، فأنت تعيش في زمنٍ آخر أو ربما في كوكب آخر. ففي المغرب الحالي، أصبح إعداد وجبة “طاجين” بمثابة مغامرة مالية قد تودي بك إلى الإفلاس.
وفي سياق آخر، بينما يتساءل المواطن العادي “من أين لي أن أشتري حاجياتي؟”، يبدو أن هناك العديد من اللصوص الذين عاثوا في المغرب فساداً لم ينفع معهم قانون لم يخرج لحد الآن وهو “من أين لك هذا؟”. هذا القانون، الذي طال انتظاره ويتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، عاد من جديد إلى مجلس النواب بعد أزيد من سنتين من سحب حكومة “أخنوش” لمشروع القانون الجنائي من البرلمان. ورغم الآمال التي عُلّقت على هذا المشروع لكبح جماح الفساد نسبيا والحد من الإثراء غير المشروع، إلا أن تأخره في الخروج إلى النور يعكس عجزاً في مواجهة الفساد الذي أصبح جزءاً من المشهد العام.
الحديث عن غلاء الأسعار لا يقتصر فقط على المواد الغذائية. فعندما تجد نفسك مضطراً لدفع مبلغ يرتفع يوما بعد يوم من أجل احتساء قهوة في مقهى شعبي، فإنك تدرك حينها أن الغلاء قد طال كل شيء، من رغيف الخبز إلى قنينة الماء، بل حتى الهواء الذي نتنفسه ربما سيصبح قريباً خاضعاً لضريبة جديدة.
لكن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن الغلاء أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة المغاربة. فبمجرد أن تخرج من منزلك، تجد نفسك في مواجهة مع أسعار تجعلك تتساءل إن كنت تعيش في باريس أو نيويورك، وليس في إحدى مدن المغرب.
إن السخرية من الأوضاع لا تكفي لوصف الواقع، لكن لعلها تكون وسيلة للتخفيف من وطأته. فالمغاربة لطالما كانوا يتمتعون بحس الفكاهة، وربما في هذه الأوقات العصيبة، تصبح السخرية ملاذاً أخيراً للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من واقع أصبح لا يُطاق.
في النهاية، يظل السؤال قائماً: إلى متى ستستمر هذه الموجة من الغلاء؟ وهل هناك أمل في أن يعود المغرب إلى سابق عهده كبلد يُعرف بتكاليفه المعقولة؟ أم أن الأيام القادمة تحمل لنا المزيد من المفاجآت غير السارة؟
الجواب على هذا السؤال قد يكون صعباً، لكن المؤكد هو أن المغاربة لا يستطيعون الصمود، في وجه هذه التحديات.