سياسةمجتمع

التركيبة الحزبية: بين استقطاب الكفاءات وأصحاب “الشكاير”

دابا ماروك

التشتت الحزبي في المغرب يُعَدُّ من أبرز المعوقات التي تواجه العمل السياسي الفعّال، حيث تُشكل الأحزاب، بدلًا من أن تكون منصات للتغيير، ساحة تنافسية تدور في كثير من الأحيان حول مصالح فردية أو فئوية، بعيدًا عن تطلعات المواطنين الحقيقية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل الأحزاب المغربية اليوم تستقطب الكفاءات النزيهة والمخلصة أم أصحاب “الشكاير”؟

هل تستقطب الأحزاب الكفاءات النزيهة؟

تاريخيًا، كان للأحزاب السياسية دورٌ بارز في استقطاب الكفاءات الوطنية، حيث ساهمت العديد من الشخصيات ذات الخبرة والنزاهة في صياغة سياسات تنموية وإصلاحية. لكن في الوقت الراهن، يبدو أن هذا الدور قد تراجع لأسباب متعددة:

انعدام الجاذبية السياسية:
ضعف الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب وغياب الشفافية يجعل العديد من الكفاءات تتجنب الانخراط في المشهد الحزبي خوفًا من التهميش أو الدخول في صراعات لا تخدم المصلحة العامة.

الإقصاء المبني على الولاءات:
في كثير من الحالات، تُقصى الكفاءات لصالح أفراد يملكون علاقات شخصية أو ولاءات ضيقة داخل الحزب، مما يؤدي إلى تراجع الثقة في المؤسسة الحزبية.

التركيبة الحزبية: أصحاب “الشكاير” أم المطيعين؟

الأحزاب السياسية في المغرب، مثلها مثل نظيراتها في بعض الدول الأخرى، تواجه تحديات عميقة فيما يتعلق بآلية استقطاب الأعضاء وصناعة القرار الداخلي. ومن بين الظواهر التي باتت تتكرر وتثير التساؤلات، هيمنة نوعين من الأعضاء داخل الأحزاب: أصحاب “الشكاير” (المال والنفوذ) أو “المطيعين” (أصحاب الولاء غير المشروط).

إن ظاهرة “الشكاير” (المال والنفوذ) أصبحت واضحة بشكل كبير في التركيبة الحزبية، حيث تبرز شخصيات تصل إلى مراكز القرار ليس بناءً على الكفاءة أو الرؤية السياسية، بل بناءً على ثرواتها وقدرتها على تمويل الحملات الانتخابية أو دعم الحزب ماليًا أو قضايا أخرى تعرفها الكواليس.

تأثير المال على القرار السياسي:
المال السياسي يؤثر بشكل كبير على اختيار المرشحين وتحديد الأولويات داخل الأحزاب. يُفضل أصحاب “الشكاير” في كثير من الأحيان على الكفاءات لأنهم يضمنون استمرار تمويل الأنشطة الحزبية وغيرها، ولو كان ذلك على حساب الأداء والنتائج.

إضعاف الثقة الشعبية:
مع هيمنة المال على المشهد الحزبي، تضعف الثقة بين المواطنين والأحزاب، حيث يُنظر إليها كمؤسسات تخدم مصالح أفراد أو مجموعات ضيقة بدلًا من أن تكون ممثلة حقيقية للشعب.

الأحزاب بين أندية نخبوية وأهرام سياسية

هناك تساؤل مشروع: هل تحولت الأحزاب السياسية إلى أندية نخبوية؟

منصات للمصالح الشخصية:
في كثير من الأحيان، تظهر الأحزاب كمؤسسات مغلقة تخدم فئة معينة، بحيث يصبح الانضمام إليها وسيلة للوصول إلى النفوذ والسلطة أكثر من كونه وسيلة لخدمة الصالح العام.

تراجع الأدوار التقليدية:
بدلًا من أن تكون الأحزاب منصات لمناقشة القضايا الكبرى وتقديم حلول مبتكرة، أصبحت في بعض الحالات تقتصر على تكوين تحالفات شكلية لضمان مناصب أو مواقع دون اهتمام جوهري بالقضايا التنموية.

كيف يمكن إعادة دور الأحزاب؟

لإعادة الأحزاب المغربية إلى دورها المحوري كمنصات للتغيير الإيجابي، هناك خطوات ضرورية:

إصلاح الهيكلة الداخلية:
تعزيز الديمقراطية الداخلية والشفافية لضمان استقطاب الكفاءات بدلًا من أصحاب النفوذ المالي.

الحد من تأثير المال السياسي:
وضع قوانين صارمة تمنع استغلال المال في الحملات الانتخابية والقرار الحزبي.

تشجيع الكفاءات الوطنية:
تقديم الحوافز للكفاءات الشابة والنزيهة للانخراط في العمل الحزبي وتحمل المسؤولية.

تجديد الخطاب السياسي:
التركيز على القضايا الحقيقية للمواطنين، مثل البطالة والصحة والتعليم، بدلًا من الانشغال بالمصالح الفئوية.

خاتمة    

إعادة بناء الأحزاب السياسية المغربية كمنصات لاستقطاب الكفاءات النزيهة يتطلب تغييرًا جذريًا في الثقافة السياسية وفي طريقة عمل هذه المؤسسات. أما إذا استمرت الهيمنة الحالية لأصحاب “الشكاير”، فإن الأحزاب ستبقى مجرد أندية مغلقة تخدم مصالح محدودة، مما يؤدي إلى استمرار فقدان ثقة المواطنين فيها وتراجع دورها في تحقيق التنمية المستدامة.

الاختيار بين أصحاب “الشكاير” والمطيعين ليس حتميًا، بل هو نتيجة لثقافة سياسية يمكن تغييرها. الأحزاب المغربية بحاجة إلى العودة إلى جوهر العمل السياسي: استقطاب النخب المؤهلة والمخلصة التي تستطيع المساهمة في بناء سياسات وطنية تخدم المصلحة العامة، بعيدًا عن هيمنة المال أو الولاءات الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى