مؤثرون؟ أم مختلطون؟! عودة إلى مشهد “التمثيل” في عالم الرقميات المغربية
دابا ماروك
في السنوات الأخيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب ساحة مفتوحة للجميع، أو كما يسميها البعض “ساحة الحرب الإلكترونية”. أعداد “المؤثرين” تتزايد بشكل مذهل، وكأننا نعيش في عصر البروز الرقمي، حيث أصبح كل شخص يحمل هاتفًا ذكيًا، هو في نظر نفسه “نجم” يمكنه التأثير على ملايين المتابعين. لم يعد يكفي أن تكون لديك معرفة حقيقية، بل يكفي أن تكون لديك “فلترة” جيدة للصور، وتشكيلة من التعليقات المثيرة للجدل التي تؤمن لك الحضور!
وبينما يعتقد الكثير من هؤلاء “المؤثرين” أن كسب المشاهدات يكمن في تجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية، يظل هناك من يعتقد أن “التأثير” الحقيقي في الوصول إلى الناس لا يجب أن يكون من خلال التحريض على العنف والكراهية، بل عبر توجيه رسالة بناءة. لكن من المؤكد أن هؤلاء لا يدرون أن “مؤثريهم” في الواقع، قد أصبحوا أكثر خطورة من مجرد نشر آرائهم.
“أصوات قوية” تتحول إلى “أصوات غير قانونية”
الذي يحدث في الواقع هو أن هذه الحفلة الرقمية من “التأثير” تتضمن عادةً سلوكات من قبيل التحريض على العنف، التمييز، التشهير، فضلاً عن المس بالحياة الخاصة للأفراد. ولا ننسى أن هناك بعض “المؤثرين” الذين يتفاخرون بإيذاء الآخرين لمجرد أنه لديهم متابعون يشاهدونهم بإعجاب، أو لأنهم في نظر أنفسهم “رموزًا” يتصدرون المشهد! هؤلاء ينسون أن القانون في المغرب لا يقبل الفوضى في عالم حرية التعبير، ولا يرحم من يعتقد أنه بمأمن من العقاب بسبب عدد المتابعين الذي يملكه.
حرية التعبير أم حرية التخريب؟
كل هذا يطرح سؤالًا كبيرًا: هل من الممكن أن تتحقق العدالة الرقمية في ظل هذه الفوضى الإلكترونية؟ وهل فعلاً هذه المتابعات القضائية ضد هؤلاء “المؤثرين” ستكون فعّالة في تحجيم الظواهر السلبية في عالم الرقميات؟ أم أن الأمر مجرد ضربات على جدران فاقدة للصوت؟
نعتقد أن التساؤل الأكبر هو حول كيفية تحقيق التوازن بين ضمان حرية التعبير وحماية القيم المجتمعية. فإذا كانت حرية التعبير مكفولة بموجب الوثيقة الدستورية، فهل يمكن أن نسمح لأي شخص باستخدام هذه الحرية لتدمير سمعة الآخرين؟ هل يجب أن ننتظر أن تفيض الكأس قبل أن نضع الحدود لمن يعتبرون أنفسهم “مؤثرين” فقط لأن لديهم متابعين؟
في النهاية، نحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في مفهوم “المؤثر” في هذا العصر. فكونك “مؤثرًا” لا يعني أنك تستطيع نشر الكراهية والتشهير بأي شخص لمجرد أنه لا يتفق معك. فالمؤثر الحقيقي هو الذي يبني ويؤثر إيجابيًا في مجتمعه، وليس الذي يهدم كل ما هو جميل فقط لأنه يملك بعض المتابعين على منصة إلكترونية.
فلتعلموا، أيها “المؤثرون”، أن القانون هو مرشدنا الوحيد، ونحن في هذا العالم الرقمي نبحث عن التوازن، لا الفوضى.