حانوت الحومة: حكايات التجارة الصغيرة وصمودها في وجه التاريخ
دابا ماروك
شهدت المكتبة المغربية مؤخرًا إضافة قيمة عبر إصدار كتاب جديد يحمل عنوان، “حانوت ومهن الحومة: مسار ومحطات في قلب حركية المجتمع” للمؤلف مولاي الحسن باجدي، الذي كرّس حياته للدفاع عن قضايا التجار الصغار والمتوسطين. هذا الكتاب، الذي يمثل وثيقة توثيقية غنية، يعيد تسليط الضوء على دور التجارة الصغيرة والمتوسطة، وما يرتبط بها من مهن تقليدية، في تشكيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي المغربي.
عن المؤلف:
مولاي الحسن باجدي شخصية بارزة بمدينة المحمدية، يعرفه أهلها بـ”الرجل الخدوم” نظرًا لجهوده المتفانية في خدمة مجتمعه، وخصوصًا التجار الصغار والمتوسطين الذين كان دائمًا مناصراً لقضاياهم. عبر هذا الكتاب، يهدف باجدي إلى حفظ الذاكرة التاريخية والمهنية لهذا القطاع، ليكون مرجعًا مهماً للأجيال القادمة.
مضمون الكتاب:
يتخذ الكتاب مسارًا توثيقيًا وتحليليًا، يبدأ بمقدمة شاملة للمؤلف، حيث يقول:
“لأن مجالات البحث في أي موضوع معقدة وصعبة، ومسالكها وعرة، سأتحدث وأحكي وأفصل من خلال محطات معينة سجلها التاريخ المغربي… انطلاقًا من تجارب عايشتها أو سمعتها عبر روايات شفهية، أو قرأتها في مصادر موثوقة”.
الإطار التاريخي:
يستعرض المؤلف جذور التجارة في المغرب مؤكدًا أن هذه المهنة ليست حديثة العهد، بل لها امتداد تاريخي يعود إلى قرون مضت.. ويركز على الفترة ما بين سنة 1810 وحتى بدايات الحماية الفرنسية سنة 1912، مشيرًا إلى أن الفهم التاريخي لهذه الفترات ضروري لاستيعاب تطور التجارة الصغيرة والمتوسطة.
تتناول فصول الكتاب كيفية تأثير الأحداث الكبرى، كمعركة إيسلي (1844) والظهير البربري (1930)، على الممارسات التجارية والاجتماعية. ويربط ذلك بالنضال ضد الاستعمار، خصوصًا الاستعمار الاقتصادي الذي أثّر بشكل كبير على هذه الفئات.
منظور شخصي فريد:
ما يميز هذا الكتاب هو النظرة الذاتية للمؤلف. فهو لا يكتب كمؤرخ أو باحث أكاديمي وحسب، بل كإنسان عاش في قلب هذا العالم. يقول المؤلف:
“أهم ما يميز كتابتي حول هذا الموضوع أنني عشت عقودًا من الزمن أمارس مهنة التجارة… وتنفست همومها وعايشت نضالاتها”.
اللغة والمفاهيم:
يتناول المؤلف تغير المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالتجارة عبر الزمن، موضحًا أن الكثير منها قد أصبح غريبًا على الأجيال الحالية. يبرز أهمية استعادة هذه المفاهيم لفهم طبيعة المجتمع والتجارة خلال تلك الفترات.
أهمية الكتاب:
يعتبر الكتاب مساهمة أساسية في توثيق المهن التقليدية، خاصة في ظل التطورات المتسارعة التي تعيشها التجارة اليوم. وهو أيضًا دعوة للاهتمام بالفئات التي تُعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني، لكنها غالبًا ما تُهمّش في النقاشات الكبرى.
خلاصة:
“حانوت ومهن الحومة” ليس مجرد كتاب تاريخي أو اجتماعي؛ بل هو نافذة تطل على جزء مهم من حياة المغاربة، وتجسد نضالهم المستمر للحفاظ على هويتهم الاقتصادية والاجتماعية. يُقدم الكتاب مادة غنية للباحثين والمهتمين بمجال التراث والمجتمع، ويؤكد على أهمية التجارة الصغيرة والمتوسطة في صياغة حاضر ومستقبل أكثر عدلاً.