تحديد سن الرشد الرقمي: معركة مع الهواء أم دراما تكنولوجية؟
دابا ماروك
بلهجة مفعمة بالجدية المضحكة، خرج المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتوصية اعتبرها كثيرون “نكتة العام” عندما دعا إلى تحديد “سن الرشد الرقمي”. فكرة عظيمة، أليس كذلك؟ ولكن، مهلاً! ما هو هذا الرشد الرقمي؟ هل هو مرحلة تتحقق عندما يكف الطفل عن إرسال صور الميمز أو عن الرغبة في إضافة كل الغرباء على فيسبوك؟ أم هو اللحظة التي يكتشف فيها أن “إعجاب” والدته بمنشوراته يعني رقابة عائلية صارمة؟
منصات التواصل الاجتماعي: وحش رقمي أم مربٍّ فاضل؟
أوصى المجلس بأن الأطفال المغاربة بحاجة إلى حماية من الفضاءات الرقمية الخطيرة، وكأن هذه الفضاءات مختبئة في زوايا الإنترنت مظلمة، تنتظر بفارغ الصبر ابتلاعهم! المجلس يقترح تحديد سن يُسمح فيه للأطفال بالولوج إلى هذه الشبكات، بشرط “موافقة الوالدين”. لأن، بالطبع، موافقة والد يحمل هاتفاً عليه تطبيقات لا يعرف كيف يغلقها ستكون المفتاح لحل الأزمة الرقمية العالمية.
وفي وقت أعلنت فيه دول مثل فرنسا حظر الهواتف على الأطفال دون 11 عاماً وشبكات التواصل دون 15 عاماً، يبدو أن المغرب يعيش معركة “الرشد الرقمي” وكأنها معركة تحرير. هل يجب أن نمنح الطفل حرية النقر؟ أم نضع شريطاً أحمر على زر “تسجيل الدخول”؟
باحثون يكتشفون الماء الساخن:
خبراء علم النفس والأسرة تدخلوا بتحليلات عبقرية: “من الصعب تحديد سن الرشد الرقمي”. يا لها من مفاجأة! السبب؟ الأطفال ليسوا متشابهين، والعباقرة الصغار قد يسبقون كباراً في الأربعين من العمر لم ينضجوا بعد، وما زالوا يرسلون رسائل “صباح الخير” إلى عشرات الجروبات.
ورغم هذا، يقترح الباحثون خطة موزعة على مراحل للوصول إلى “الرشد الرقمي” عند 12 سنة. لكن، هل يعني ذلك أن الطفل في هذه السن سيكف عن تصوير طعامه أو الرد على تعليقات بأيقونات غير منطقية؟ لا أحد يعلم.
الرشد الرقمي للكبار: مهمة مستحيلة؟
إذا كان الأطفال بحاجة إلى دليل رقمي للوصول إلى “الرشد”، فما قولكم في الآباء الذين ينشرون صور أطفالهم عند كل مرحلة من حياتهم؟ هؤلاء، ربما، يحتاجون إلى “ورشات للنضج الرقمي” بأنفسهم، لأنهم ما زالوا يصدقون رسائل مثل: “أرسلها لعشرة أشخاص وستتلقى أخباراً سارة”.
الخلاصة:
معركة تحديد سن الرشد الرقمي تبدو وكأنها محاولة لضبط الرياح في زجاجة. المشكلة ليست في السن، بل في الفهم والتوعية. وربما، بدلاً من سن قوانين لحظر الأطفال من الإنترنت، علينا أن نبدأ بحظر البالغين الذين ما زالوا يؤمنون بوجود الأمير النيجيري الذي سيحول لهم ثروته مقابل كلمة مرور بريدهم الإلكتروني.