سياسةمجتمع

المتاجرة بهموم المواطنين في العمل السياسوي: أزمة أخلاقية تهدد مستقبل المغرب

دابا ماروك

يشهد المشهد السياسي المغربي في الآونة الأخيرة تصاعدًا لافتًا في ظاهرة المتاجرة بهموم المواطنين، حيث أصبحت معاناة الشعب، بكل أشكالها، مادة للتراشق السياسي وميدانًا لتصفية الحسابات بين مختلف الأطياف الحزبية. بدل أن تكون السياسة أداة لخدمة الوطن والمواطنين، تحولت في بعض الحالات إلى “سياسوية” ضيقة، تهدف لتحقيق مكاسب انتخابية وشخصية على حساب القضايا الحقيقية التي تؤرق المغاربة.

مفهوم العمل السياسوي

العمل السياسوي هو توظيف السياسة كأداة للتمويه والتلاعب بالمشاعر الشعبية لتحقيق أهداف محدودة الأفق. ويتميز هذا النوع من الممارسة بـ:

  1. الخطابات الشعبوية: رفع شعارات فضفاضة دون تقديم حلول عملية.
  2. استغلال القضايا الاجتماعية: التركيز على مشاكل المواطنين فقط في المواسم الانتخابية.
  3. إثارة الجدل: افتعال الأزمات والانقسامات لتحويل الانتباه عن القضايا الأساسية.

كيف تُستغل هموم المغاربة؟

  1. استغلال الفقر والبطالة

أصبح الفقر والبطالة في المغرب من أكثر المواضيع استغلالًا من قبل بعض السياسيين. بدل أن تُعالج هذه القضايا عبر برامج تنموية حقيقية، يتم تسليط الضوء عليها في الخطابات كوسيلة لاستدرار التعاطف الشعبي، دون تقديم أي مبادرات فعالة.

  1. التعليم والصحة: أزمات دائمة للتوظيف السياسي

قطاعا التعليم والصحة، باعتبارهما عمودي التنمية الاجتماعية، يُستخدمان كأوراق ضغط في الحملات الانتخابية. يتبادل السياسيون الاتهامات بشأن تردي الوضع دون العمل على إصلاحات جذرية مستدامة.

  1. المآسي الإنسانية والتلاعب بالمشاعر

في العديد من المناسبات، تُوظف الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات أو الزلازل، كمنصات للظهور الإعلامي وجني الشعبية، بدل التركيز على الإغاثة الفعلية وحماية المتضررين.

التداعيات السلبية للمتاجرة بهموم الشعب

  1. فقدان الثقة في المؤسسات: يشعر المواطن بأن السياسة أصبحت مجرد مسرحية لتحقيق مكاسب ضيقة، مما يدفعه إلى النفور من العملية السياسية برمتها.
  2. إطالة أمد الأزمات: يؤدي التركيز على الشعارات بدل الحلول إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
  3. تعميق الانقسامات الاجتماعية: السياسوية تزرع الشكوك والانقسامات بين فئات المجتمع.
  4. تصيّد الأخطاء: وسيلة لتحقيق المصالح بدل خدمة الشعب: في العمل السياسي المغربي، أصبح تصيّد أخطاء المنافسين ممارسة شائعة، لا تُمارس بدافع الإصلاح أو حبًا في عيون المواطنين، بل تُوظف كأداة للركوب على الأزمات واستخدامها كوسيلة للوصول إلى مكاسب شخصية أو حزبية. هذه الممارسات تتجلى في التركيز على إخفاقات الخصوم، تضخيمها إعلاميًا، وتقديمها كدليل على عدم كفاءتهم، دون تقديم حلول فعلية أو بدائل ملموسة.
  5. السياسي الذي يُمضي وقته في اصطياد الأخطاء غالبًا ما يفقد البوصلة الحقيقية للعمل السياسي، إذ ينشغل بالتشهير والإدانة بدل العمل على وضع استراتيجيات تخدم الصالح العام. هذه الظاهرة تُعزز مناخًا سلبيًا يعيق أي حوار بناء، كما تُسهم في تدهور ثقة المواطنين الذين سرعان ما يدركون أن الهدف ليس معالجة مشاكلهم، بل مجرد استخدامهم كوسيلة لتحقيق غايات محدودة الأفق
  6. دور الإعلام والمجتمع المدني

لا يمكن إنكار دور الإعلام والمجتمع المدني في كشف ممارسات المتاجرة بهموم المواطنين. ولكن في بعض الأحيان، يتورط الإعلام نفسه في تضخيم هذه الظاهرة عبر الترويج للخطابات الشعبوية دون مساءلة أصحابها.

المجتمع المدني، بدوره، مدعو إلى تحمل مسؤولياته من خلال تسليط الضوء على المبادرات الجادة ومحاسبة المسؤولين الذين يخفقون في تحقيق التزاماتهم.

حلول للتصدي للسياسوية

  1. التوعية السياسية: نشر الوعي بين المواطنين حول حقوقهم وواجبات السياسيين.
  2. ربط المسؤولية بالمحاسبة: تفعيل المحاسبة القانونية للمسؤولين الذين يتاجرون بهموم الشعب.
  3. تشجيع العمل التنموي: دعم المبادرات السياسية التي ترتكز على برامج تنموية حقيقية وقابلة للتنفيذ.
  4. الإصلاح الحزبي: تطهير الأحزاب السياسية من العناصر التي تسيء للعمل السياسي وتحويلها إلى مؤسسات تخدم المصلحة العامة.

خاتمة

المتاجرة بهموم المواطنين ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي انعكاس لأزمة أخلاقية عميقة تهدد العمل السياسي في المغرب. إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة بحزم من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك المواطنون أنفسهم، فقد تستمر في تعطيل مسار التنمية وإحباط آمال الشعب المغربي في مستقبل أفضل. إن العمل السياسي الحقيقي هو الذي يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ويُعلي من قيم الشفافية والمسؤولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى