الأحزاب والقواعد: بين الوهم والحقيقة
دابا ماروك
في كل عملية انتخابية، يُطرح سؤال دائم: هل يمكن للمال أن يفسد الولاء الحزبي؟ وهل يستطيع شراء القواعد الحزبية التي تشكل العمود الفقري للأحزاب؟ هذه التساؤلات تطرح مفارقة مهمة في السياسة، حيث يُعتقد أحيانًا أن المال هو العامل الحاسم في التأثير على نتائج الانتخابات. ولكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير، فالقواعد الحزبية، رغم التحديات التي تواجهها، تظل على ارتباط وثيق بأحزابها، وقدرتها على مقاومة محاولات التأثير الخارجي، مثل المال، أكبر بكثير مما يُشاع. ومع ذلك، هناك بعض العوامل التي تجعل من المال أداة فعالة في تغيير نتائج الانتخابات رغم هذه المقاومة.
القواعد الحزبية: لا للبيع
القواعد الحزبية ليست كيانًا هلاميًا يمكن شراؤه بسهولة. في جوهرها، هي عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يجسدون مبادئ وأيديولوجيات معينة، وقد يكونون في كثير من الأحيان أكثر دراية بطبيعة اللعبة السياسية من أولئك الذين يسعون للتأثير عليهم عبر المال. هؤلاء الأفراد لا يُمكن تحريف ولائهم لمجرد وعد مادي أو سياسي مغري.
- الولاء المتأصل: القاعدة الحزبية تبنى على مواقف مبدئية وأيديولوجية، وإذا كانت الأحزاب تلتزم بقيم ومبادئ قريبة من تطلعات هؤلاء الأفراد، فسيظل الدعم قويًا مهما كانت المغريات المادية.
- الوعي السياسي: القواعد الحزبية ليست سطحية في اختياراتها، بل تكون غالبًا مدفوعة بوعي عميق بالوضع السياسي والاجتماعي. من هنا، نرى أن القاعدة الحزبية لا تساوم على قيمها ولا تضعها في كفة مع المال.
المال كأداة لتغيير المعادلة السياسية
لكن ورغم هذه المقاومة، تظل الحقيقة أن المال قد يُستخدم كأداة لإحداث تحولات في النتائج الانتخابية، على الأقل في بعض الحالات. لا يتعلق الأمر فقط بتوزيع المال بشكل مباشر، بل بطريقة تُدمج المال مع استراتيجيات أكثر دهاء، مثل:
- الوعود الانتخابية المغرية: المال قد يستخدم لتوفير وعود تنموية أو اجتماعية يصعب على الناخبين مقاومتها. فحين يشعر المواطن بالحاجة إلى تغييرات ملموسة في حياته اليومية، قد يتأثر بعض الناخبين بهذه الوعود حتى لو كانوا يدركون أن مصدرها هو المال الموجه بهدف التأثير.
- شراء الأصوات: في بعض الأحيان، قد تُستخدم الأموال لتوزيع “هدايا” انتخابية، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية أو التي تعاني من مشاكل اقتصادية. قد تكون هذه الهدايا على شكل مساعدات مالية، أو مساعدات عينية، التي تستهدف بعض الشرائح السكانية الضعيفة اقتصاديًا.
القواعد الحزبية: الثبات أمام التحديات
رغم استخدام المال كأداة للتأثير، فإن القواعد الحزبية تظل على علاقة متينة بأحزابها في معظم الأحيان، ولا تسقط هذه العلاقة بسبب المال فقط. ففي العديد من الحالات، ما يُعتبر “شراءً” للولاء يعكس فشلًا في بناء علاقة حقيقية بين الحزب وأعضائه.
- التأثير الاجتماعي والسياسي: المال قد يكون أداة فعالة في التأثير على الناخبين في السياقات الاقتصادية الصعبة أو في المجتمعات التي تعاني من انعدام الفرص. ومع ذلك، القواعد الحزبية التي تعرف تاريخها السياسي وأيديولوجيتها لا تتخلى عنها لمجرد صفقة مالية.
- تحولات عميقة في الواقع الاجتماعي: لكن في بعض الأحيان، ومع فشل الأحزاب في تقديم برامج فعالة للمواطنين، يمكن أن يؤدي هذا إلى خلل في الولاء الحزبي، سيما إن كانت لها سوابق في التسيير. عندها، قد تجد بعض القواعد الحزبية نفسها في مواجهة خيارات صعبة بسبب الإغراءات المالية، وإن كان ذلك لا يعني التخلي الكامل عن المبادئ.
الوهم السياسي: المال ليس هو الحل
إن فكرة أن المال يستطيع كسر القواعد الحزبية بشكل دائم هي مجرد وهم سياسي، فهذه القواعد ليست سلعة يمكن شراؤها بمال، وإنما هي مبادئ تُشيد على أيديولوجيات وإيمان بالتحول الاجتماعي والسياسي. القواعد الحزبية الحقيقية لا يمكن تحريفها بسهولة، لكنها في نفس الوقت ليست محصنة ضد الواقع السياسي والاقتصادي الذي يفرض تحديات قد تجعلها تتفاعل مع المال بشكل غير متوقع في بعض الحالات.
- المفارقة الانتخابية: ما تكشفه الانتخابات في كل مرة هو أن القواعد الحزبية لا تساوم على ولائها بسهولة. ومع ذلك، المال يمكن أن يُحدث تحولًا في بعض الحالات إذا تداخلت العوامل الاقتصادية مع الخيارات السياسية.
- المال ليس الحل الدائم: في النهاية، تظل القواعد الحزبية هي المحرك الأساسي لنجاح أو فشل أي حزب. المال قد يعزز من فرص مرشح أو يحسن من حظوظه، لكن لا يُمكنه أن يحل محل التزام القواعد الحزبية أو الولاء المبدئي للأحزاب.
الخلاصة: مقاومة المال ليست كافية
في الختام، يجب على الأحزاب أن تدرك أن المال قد يكون أداة مؤثرة في الانتخابات، لكن لا يُمكنه تغيير الولاء السياسي العميق لقواعدها الحزبية. إذا أرادت الأحزاب أن تستمر في التأثير الفعلي على نتائج الانتخابات، عليها أن تعيد بناء الثقة مع قاعدتها الحزبية من خلال تقديم برامج واقعية تلبي احتياجات المواطنين، بدلاً من الاعتماد على استنكار توزيع المال كوسيلة وحيدة للتأثير.
وحتى نكون صرحاء، فإن القواعد ترفض أيضًا وجوهًا منبوذة ومغرورة، كغرور النملة التي تحلم بأنها ستصير فيلا. هذه الأنماط من الشخصيات التي تتسم بالتفاخر والتعالي لا مكان لها في قلوب القواعد الحزبية، التي تظل متمسكة بالقيم والمبادئ التي تضمن استمرارية الحزب وتماسكه.
إن القواعد الحزبية لا توجد إلا في مخيلة البعض، بدليل النتائج التي تظهر بشكل مذل وتفضح واقعاً بعيداً عن شعارات الولاء والتماسك.