حكمة شعبية مغربية: بين المشتاق الذي ذاق والناعس الذي فاق
دابا ماروك
المقولة المغربية الشعبية: “الله ينجيك من المشتاق يلى ذاق ومن الناعس يلى فاق” تختزن حكمة عميقة مستمدة من التجارب الإنسانية والملاحظة الاجتماعية. هذه العبارة تعكس فهمًا دقيقًا للسلوك البشري وتغيراته عند التحول من حالة الحرمان إلى حالة الاكتفاء، أو من حالة السكون إلى حالة النشاط المفاجئ. لنستعرض أبعاد هذه المقولة بمزيد من التحليل:
- “المشتاق يلى ذاق”
تشير العبارة هنا إلى شخص عاش فترة طويلة من الحرمان أو التوق إلى شيء معين، سواء كان ماديًا أو معنويًا، وعندما يحصل عليه أو “يذوقه”، يصبح متعطشًا له بشدة وربما يبالغ في التمسك به أو الاستمتاع به بشكل قد يزعج الآخرين.
أبعاد ودلالات:
- النهم المفرط: المشتاق حين يذوق لأول مرة قد يفقد القدرة على ضبط النفس، إذ يتصرف بطريقة تعكس سنوات حرمانه، مما قد يسبب إحراجًا أو مشاكل اجتماعية.
- الأنانية المفرطة: قد يتحول إلى شخص أناني يرفض مشاركة ما حصل عليه مع الآخرين، كأنه يخشى فقدانه.
- التغير النفسي المفاجئ: يُظهر هذا الجانب كيف يؤثر الإشباع الفجائي للرغبات على النفس البشرية، حيث قد يتحول الشخص من التواضع إلى الطمع.
أمثلة من الحياة:
- شخص فقير أصبح ثريًا فجأة، فبدلاً من أن يتصرف بتواضع، يستعرض ثروته ويهمل القيم الاجتماعية.
- شاب كان يفتقر إلى فرص التعليم أو العمل، وعندما تُتاح له فرصة صغيرة، يتصرف بتكبر أو استهتار.
- “الناعس يلى فاق”
أما الجزء الثاني، فهو يتحدث عن الشخص الذي كان في حالة سكون أو غفلة، وعندما يستفيق فجأة، قد يبدي تصرفات غير محسوبة أو متهورة.
أبعاد ودلالات:
- الطموح المبالغ فيه: الناعس الذي يفيق فجأة، وكأنه اكتشف الحياة بعد غفلة، قد يحاول أن يُعوض ما فاته بسرعة وباندفاع.
- السلوك العدواني: هذا الشخص قد يظهر عدوانية تجاه الآخرين، سواء بدافع الغيرة أو الرغبة في فرض نفسه في المجتمع.
- افتقاد الحكمة: لأنه لم يكن مستعدًا لهذه “اليقظة”، قد يتخذ قرارات عشوائية تُسبب له وللآخرين مشاكل.
أمثلة من الحياة:
- موظف غير نشيط حصل فجأة على منصب قيادي، فبدأ يمارس سلطته بطريقة عشوائية وغير منطقية.
- شخص كان غائبًا عن الحياة الاجتماعية ثم عاد، محاولًا تعويض ما فاته، لكنه يفسد العلاقات بسبب تصرفاته المتسرعة.
الدروس المستفادة من المقولة:
- أهمية التوازن: النجاح أو الحصول على شيء مرغوب يجب أن يُقابل بتواضع وتوازن حتى لا ينعكس سلبًا على الشخص والمجتمع.
- الإعداد النفسي: التحولات الكبيرة في حياة الإنسان تحتاج إلى تأقلم نفسي واستعداد حتى تُدار بشكل حكيم.
- التحذير من السلوك المبالغ فيه: المقولة دعوة للحذر من تأثيرات التغيرات الفجائية في حياة الناس، سواء في الحالتين.
المقارنة بالموروث العالمي:
المقولة المغربية تجد صداها في أمثال وحِكم أخرى من الثقافات المختلفة، مثل المثل الفرنسي: “Il ne faut pas se laisser enivrer par le succès”، الذي يحذر من الغرور عند تحقيق النجاح. وهذا يثبت أن الحكمة الشعبية تعكس تجارب إنسانية مشتركة.
ختامًا، هذه المقولة ليست مجرد عبارة تُردد في الأحاديث اليومية، بل هي دعوة للتفكير في السلوك البشري وللحرص على التواضع والاعتدال مهما تغيرت الظروف.