دابا ماروك
تصوروا معنا مشهدًا لا يخلو من الكوميديا السوداء: نساء ورجال المفتشية العامة للإدارة الترابية يشمرون عن سواعدهم، ليس في نزهة على الشاطئ، بل في رحلة صيد للفساد. مشهد لا نشاهده إلا في خيالنا، حيث يصبح الجميع أمام القانون سواسية، حتى أولئك الذين يعتقد المواطنون أنهم من فصيلة “لا تُمس”.
فيلم التفتيش: البطل والشرير يحددان نهاية القصة
الفكرة هنا ليست مجرد نزهة سينمائية، بل سيناريو واقعي مستوحى من أفلام هوليوود. لدينا بطل (المفتشية) يظهر فجأة، ولكن بدل القبض على المجرم، نشاهد إعلانًا مدفوعًا يظهر فيه رئيس جماعة مشبوه يحتسي قهوة فاخرة ويرتدي بذلة ثمينة، كأنما يقول للمواطن: “شوفوني.. أنا فوق القانون!”.
تفتيش على المقاس: “بعضهم فوق رأسه مظلة!”
الفساد في بعض الجماعات الترابية وصل إلى حد لم يعد يحتاج فيه المواطن إلى عدسة مكبرة لرؤيته؛ هو مفضوح وواضح كالشمس في يوم صافٍ. ولكن المشكلة أن المفتشية، برغم خبرتها، أحيانًا ترتدي نظارات شمسية داكنة، فلا ترى إلا ما يناسب الظل السياسي.
المثير للسخرية أن هناك أسماء يبدو أنها محمية بمظلات سحرية من التحقيق. فمهما عاثوا في الأرض فسادًا، لا أحد يقترب منهم. هؤلاء المسؤولون يجيدون لعبة “الحاضر والماضي”، حيث يستأجرون من يلفتون الأنظار بعيدًا عن حاضرهم الأسود إلى ماضٍ يمكن التلاعب به بسهولة.
“لو تحرك المفتشون حقًا…”
لو تحركت المفتشية بلا استثناءات، لربما رأينا سجونًا ممتلئة بوجوه مألوفة من رؤساء الجماعات الذين كانوا يصولون ويجولون كأنهم أسياد الزمان والمكان. والنتيجة؟ قد تصبح السياسة مجالًا مملًا للفاسدين، ويفكرون مرتين قبل ركوب موجتها.
ولكن، وللأسف، كما يقول المثل الشعبي:
“ما يمكنش تجمع الماء والزيت.. ولا يمكن تفتش حتى اللي دارك واقف عليهم!”
تراجيديا الوجوه التي لا تخجل
المشهد الأكثر عبثية هو أن الفاسدين لا يكتفون بالتهرب من المحاسبة؛ بل يبحثون، بكل جرأة، عن استراتيجيات لتأمين مستقبلهم السياسي (أو التعيس، على حد تعبير المقال). هؤلاء يبدون وكأنهم يعتقدون أن البلاد بحاجة إلى إبداعهم في تزييف الأرقام وتبرير النفقات الوهمية.
“كان الله في عونهم”، نرددها هنا مع قهقهة ساخرة. لأن هؤلاء، بدل أن ينشغلوا بتأمين مستقبل أفضل للمواطنين، يقضون وقتهم في دراسة كيفية القفز على الحبال السياسية بلا سقوط.
هل هناك أمل؟
الجواب باختصار: ربما.
إذا أُطلقت يد المفتشية العامة بلا استثناءات وبدون تمييز، سنشهد دراما حقيقية:
- رؤساء جماعات يتحولون إلى نجوم عناوين الصحف لا بسبب تصريحاتهم الفارغة، بل بسبب محاكماتهم.
- سياسيون يعيدون التفكير في جدوى دخول السياسة إن لم تكن هناك غنيمة مضمونة.
- والمواطن أخيرًا يرى أن القانون ليس مجرد كلمات في الدستور، بل أداة حقيقية للتغيير.
خاتمة ساخنة جدًا!
لنكن صرحاء، الفساد في المغرب يشبه طاجين محترق: من الخارج يبدو شهيًا ومليئًا بالألوان، لكن حين تقلبه تكتشف كم احترقت محتوياته. المفتشية العامة إن أرادت النجاح، فعليها أن تزيل الغطاء عن الطاجين وتُظهر كل ما تحته.
وإلى أن يحدث ذلك، سيبقى المواطن يشاهد هذا الفيلم الممل، مع نفس النهاية:
“البطل لم يتحرك بعد.. والشرير لا يزال حرًا!”