مجتمع

اللي كيشد، مكعطيش: بين أنانية الأخذ وسخاء العطاء

دابا ماروك

المقولة المغربية “اللي كيشد، مكعطيش” تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والتجارب الحياتية، وهي انعكاس لواقع اجتماعي شائع قد يمتد عبر مختلف الثقافات والمجتمعات، وإن اختلف التعبير عنه. هذه العبارة تستند إلى ملاحظة أن الأشخاص الذين اعتادوا على الأخذ والاعتماد على الآخرين، نادرًا ما يمتلكون نفس الحافز أو القدرة على العطاء أو البذل، سواء كان ذلك في سياقات مادية، معنوية، أو اجتماعية.

تحليل المقولة:

  1. السياق النفسي:
    • تشير المقولة إلى أن الأخذ المستمر قد يتحول إلى عادة يصعب التخلص منها. الإنسان الذي يعتاد على الأخذ قد يتبنى عقلية تتمحور حول المصلحة الذاتية، مما يؤدي إلى ضعف الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية أو الالتزام تجاه الآخرين.
    • الأخذ دون العطاء يعكس أحيانًا شخصية تتسم بالجشع أو الأنانية، حيث يصبح الفرد مهووسًا بالاحتفاظ بما لديه أو الحصول على المزيد دون التفكير في رد الجميل.
  2. البعد الاجتماعي:
    • تشير المقولة إلى خلل في التوازن الاجتماعي؛ ففي المجتمعات التي يسود فيها مبدأ الأخذ دون العطاء، قد يتفاقم التفاوت الطبقي أو الانعزالية، حيث يركز الأفراد أو الفئات على الاستفادة دون المساهمة في المنظومة المشتركة.
    • المثال الواقعي يمكن أن يظهر في مظاهر البخل أو الجشع لدى بعض الأفراد أو المؤسسات، حيث تتحول الموارد أو الثروات إلى ملكية فردية غير منتجة.
  3. التطبيق العملي:
    • على مستوى الأفراد: يمكن أن نجد هذا السلوك في الشخصيات التي تعتمد دائمًا على الآخرين في توفير احتياجاتها، دون تقديم المساعدة أو الإسهام في العلاقات الإنسانية.
    • على مستوى المؤسسات: يمكن أن يظهر في الشركات أو الجهات التي تهدف إلى تحقيق الأرباح دون الالتفات إلى مسؤوليتها الاجتماعية.
  4. أسباب الظاهرة:
    • النشأة والتربية: قد تنبع هذه الصفة من تربية تعتمد على الاستحقاق دون العمل، حيث يعتاد الفرد منذ صغره على الأخذ دون أن يُطلب منه رد الجميل.
    • الظروف الاقتصادية: في بعض الحالات، قد يكون الدافع هو الخوف من الفقر أو الحاجة، ما يدفع البعض إلى التمسك بما يحصلون عليه دون الرغبة في المخاطرة بالعطاء.
    • الأنانية أو اللامبالاة: هذه الصفة قد تكون نتيجة طبيعة شخصية أو موقف مكتسب من التجارب الحياتية.
  5. التأثير السلبي:
    • عندما تسود هذه العقلية، يتضرر نسيج المجتمع، حيث يصبح الاعتماد المتبادل بين الأفراد ضعيفًا، مما يؤدي إلى تراجع التضامن والتكافل.
    • قد يؤدي هذا النمط أيضًا إلى خلق فجوة في العلاقات، سواء كانت شخصية أو مهنية، بسبب فقدان الثقة المتبادلة.

الحكمة المستخلصة:

تشجع المقولة، وإن كانت بنبرة نقدية، على التفكير في أهمية تحقيق التوازن بين الأخذ والعطاء. فكما أن الأخذ حق، فإن العطاء واجب. المجتمعات القوية تُبنى على مبدأ التبادل والتعاون، وليس على الانعزالية أو الاستغلال. ومن هنا، ينبغي أن يتأمل كل شخص في دوره داخل منظومته الاجتماعية، ليحقق توازنًا يضمن استدامة العلاقات وتحقيق المنفعة المشتركة.

الدعوة إلى التغيير:

  • التربية على العطاء: تعليم الأفراد منذ الصغر أن العطاء جزء أساسي من بناء شخصية متكاملة ومسؤولة.
  • تعزيز التكافل الاجتماعي: تشجيع مبادرات تضامنية تُبرز قيمة المشاركة والعطاء في بناء مجتمع أكثر عدلًا واستقرارًا.
  • التأكيد على القيم الدينية والأخلاقية: مثل ما جاء في القرآن الكريم: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”.

خاتمة:

“اللي كيشد، مكعطيش” ليست فقط وصفًا لحالة سلبية، بل دعوة غير مباشرة للتأمل في أهمية تبني سلوكيات أكثر إيجابية تعتمد على التوازن بين الأخذ والعطاء. فالحياة قائمة على التبادل، والمجتمعات لا تزدهر إلا حين يكون العطاء جزءًا أصيلًا من ثقافتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى