الحياة في المجتمع المغربي: السيرك المجاني الذي لا تريده ولا تستطيع تجنبه
دابا ماروك
الحياة في المغرب، أو كما يحب البعض أن يسميها “السيرك المجاني”، هي عبارة عن مزيج من الضحك، الصدمة، والدهشة التي لا تنتهي. من اللحظة التي تفتح فيها عينيك صباحًا حتى تسدل الستار على يومك، ستكون قد عشت على الأقل خمس مواقف كوميدية غير مقصودة، ومعها جرعة إضافية من اللامعقول.
الجلسة العائلية: غرفة الأزمات! نبدأ من الجلسة العائلية المعتادة، التي لا تمر دون حديث عن السياسة، الغلاء، و”زمان الخير”. هنا، تجد الأب يدير الجلسة وكأنه خبير استراتيجي في الأزمة العالمية، يبدأ بوصف كيف كانت الدنيا رخيصة عندما كان سعر “الطماطم” بالسنتيمات، وكيف أصبح اليوم لا يجرؤ حتى على النظر إلى “البصل” في السوق. وبطبيعة الحال، تنضم الأم لتذكير الجميع بأن الزواج كان في زمنها لا يحتاج إلا إلى “جُوج حوايج”، قليل من السكر والدقيق، أما الآن فيحتاج إلى بنك مركزي وعملية اقتصادية مدروسة.
ولننسَ بالطبع تلك الأحاديث الجانبية التي تخرج من أفواه الأمهات حول الأكلات التقليدية وكيف كان يمكن إعدادها بطريقة أقل تكلفة. ولكن، كلما حاولت الأم أن تعطي نصيحة، تجد أن الأجيال الجديدة بدأت تعتمد على “الوجبات السريعة” وكأنها مرادف للرفاهية، مما يثير استغراب الأجداد الذين عاشوا في زمن كان فيه إعداد “الكسكس” يتطلب طقوسًا خاصة.
السير في الشارع: مغامرة مجانية الخروج من البيت في المغرب يشبه خوض غمار مغامرة يومية غير محسوبة النتائج. الشارع المغربي، حيث الجميع في عجلة من أمره، ولكن لا أحد يعرف أين يتجه. هنا، “الطاكسي” الصغير ينطلق بسرعة الضوء لتخفيض عمر السائق إلى النصف، والراجلون يقطعون الطريق كما لو أنهم في لعبة “فراشة الحظ”. أضف إلى ذلك بائعي “الزعتر” و”الملابس الداخلية” الذين يملكون حق احتلال الأرصفة كما يشاؤون، وتصبح الأمور أكثر فوضى من حفلة “دي جي” في ساحة عامة.
المناسبات الاجتماعية: دورية إجباريّة إخواننا المغاربة لا يعرفون الخصوصية في المناسبات. إذا لم تحضر عرس أحد الأقارب، حتى لو كان “ابن عم زوجة خالتك”، فأنت مهدد بفضيحة أسرية. وتجد نفسك محاصرًا في “حفلة الزفاف” التي قد تمتد حتى طلوع الشمس، مع تشكيلة موسيقية تصيب أذنك بالدوار وتجعل جسدك يتمايل بدون إرادة منك.
أما الجنازة، فهي حدث يجمع بين العزاء والانتقام. الجميع يتظاهر بالحزن، لكن نصف الحاضرين يتبادلون النميمة حول من سيرث “أرض الجد” ومن سيشتري بيتًا في المدينة. وبينما القهوة تمرّ من يد إلى يد، تجد نفسك فجأة في حوار فلسفي حول آخر أسعار العقارات في حي راقٍ، لأن كل شيء يجب أن يتحول إلى “بيزنيس” حتى في جنازاتنا!
البيروقراطية المغربية: درس في الصبر أما إذا كنت من أولئك المتفائلين الذين يعتقدون أن الأوراق الرسمية يمكن إنهاؤها في يوم واحد، فدعنا نضحك قليلاً. إذا دخلت إلى مكتب وأنت تأمل في استخراج وثيقة واحدة، فتأكد أنك ستخرج بعد ثلاثة أيام، ومعك مجموعة جديدة من الأصدقاء الذين تعرفت عليهم أثناء الانتظار. وربما يطلب منك العودة في موعد آخر لأن “الموظف كان غائباً اليوم.
وحين تظفر بطلعته البهية، يُطلب منك الوثائق الكاملة، بما فيها شهادة ولادة جدك. وعندما تتوجه للمسؤول، سيجيبك بابتسامة عريضة، ويضيف أن “الوقت ليس في صالحك، لكن يمكننا تحديد موعد آخر بعد أسبوع”. وبهذه الطريقة، تستمر دوامة اللامعقول.
الحكمة المغربية: كلام الكبار لا ينتهي لا يمكن إنهاء هذا المقال دون الإشارة إلى “الحكمة المغربية”. إنها تتلخص في عبارات سمعناها من كبار السن مثل: “العين ما تقابل الكتف” و”اللي دار الذنب يستاهل العقوبة”. لكن ما يفوتك أن هذه الحكم لا تُستخدم إلا لتبرير كل ما هو غير منطقي في حياتنا اليومية. انتهت “الطماطم” من السوق؟ “البركة في السردين!”، الحكومة لم تحقق وعودها؟ “الصبر مفتاح الفرج!”.
ختامًا: السيرك مستمر! في النهاية، الحياة في المجتمع المغربي هي مزيج من العبث والمرح، حيث نعيش كل يوم في مسرحية غير مكتوبة. فمرحبًا بك في السيرك المغربي، حيث لن تشعر بالملل أبدًا، حتى لو كنت تتمنى ذلك. ولأن الضحك هو أفضل دواء، فلنترك همومنا خلفنا ونستمتع بجمال الحياة حتى وإن كانت مليئة بالمواقف الغريبة.