دابا ماروك
في خطاب جلالة الملك، الذي كان بمثابة رسالة قوية وواضحة للمغاربة المقيمين بالخارج، تم تسليط الضوء على مكانة هذه الفئة في المجتمع المغربي وأهميتها في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. لم يكن الخطاب مجرد إشادة بدور الجالية في الدفاع عن الوطن، بل أيضًا دعوة عملية للمساهمة الفعالة في تطوير الاقتصاد الوطني.
واحدة من أبرز النقاط التي ذكرها جلالته هي إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية المغربية بالخارج، بهدف تحسين التنسيق بين هذه المؤسسات وضمان استجابة أكثر فاعلية لاحتياجات المغاربة في المهجر. تأسيس “مجلس الجالية المغربية بالخارج” كمؤسسة دستورية مستقلة سيكون له دور كبير في تعزيز الاتصال المباشر بين الجالية المغربية والدولة. فالمجلس يمثل خطوة نحو إرساء آلية أكثر تنظيمًا وفعالية للتعامل مع قضايا الجالية من جميع الجوانب، ويتيح لهم تقديم مساهماتهم وآرائهم حول مختلف المسائل الوطنية.
إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن إنشاء “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، وهي مؤسسة ستعمل على التنسيق وتنفيذ السياسات الوطنية التي تهتم بالجالية المغربية، وتسهيل معاملاتهم مع الدولة في مجالات مختلفة. هذه المبادرات تؤكد عزم المملكة على تحسين الظروف المعيشية للمغاربة في الخارج، ومساعدتهم على التكيف مع التحديات التي يواجهونها في بلدان الإقامة.
لكن جلالة الملك لم يقتصر على الإشادة بالمغاربة المقيمين بالخارج، بل دعا أيضًا إلى فتح آفاق جديدة للاستثمار أمامهم، موضحًا أنه من غير المعقول أن تظل مساهماتهم في الاقتصاد المغربي عند حدود 10%. هذه الرسالة تعكس قناعة جلالته بأن المغاربة المقيمين في الخارج يمثلون جزءًا كبيرًا من القوة الاقتصادية للمملكة، وأنه يجب استثمار هذه القوة بشكل أكبر، خاصة في مجالات استثمارية جديدة تعود بالفائدة على الوطن والمواطنين.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال التحديات التي يواجهها المغاربة في الخارج. بالرغم من مبادرات “مرحبا” التي توفر الدعم للعائدين، لا تزال هناك العديد من المشاكل التي تحتاج إلى حلول عاجلة. فالقضايا المتعلقة بالمعاملات الجمركية على الحدود، وتباطؤ الإجراءات في المحاكم، وتعقيدات الاستثمار ووجود ظاهرة الرشوة، كلها تمثل تحديات يومية يواجهها أفراد الجالية، وهي معاناة غير مبررة لأشخاص يساهمون بشكل كبير في الاقتصاد المغربي.
من بين القضايا الأكثر إلحاحًا، نجد غياب تمثيلية مغاربة الخارج في المشهد السياسي الوطني. فعلى الرغم من حجم تأثير الجالية المغربية في العديد من المجالات، فإنها ما زالت محرومة من حقها في التصويت وتمثيلها في البرلمان. هذه الفجوة بين الجالية والدولة تشكل إعاقة كبيرة لمشاركة المغتربين في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم وحياة عائلاتهم. وفتح المجال لتمثيل سياسي حقيقي للمغاربة المقيمين بالخارج سيكون خطوة مهمة نحو دمجهم في الشأن العام الوطني، وتمكينهم من ممارسة حقوقهم كمواطنين مغاربة كاملين.
إن هذا الخطاب كان بمثابة دعوة لإعادة النظر في العلاقة بين المغرب ومغتربيه، من خلال تعزيز المساواة والعدالة في التعامل مع هذه الفئة التي تمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني والمجتمع.