بين وعود الحكومة وواقع الغلاء: هل تكفي الدولة الاجتماعية لمواجهة الأزمة المعيشية في المغرب؟
دابا ماروك
يأتي تصريح الوزير مصطفى بايتاس في سياق تتغنى فيه الحكومة المغربية بمشروع قانون المالية الجديد وإجراءاتها الهادفة إلى “تكريس الدولة الاجتماعية”. غير أن هذه الادعاءات تتعارض مع الواقع المعاش الذي يعكسه المغاربة يومياً، حيث أن الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق أصبحا يشكلان ضغطاً كبيراً على القدرة الشرائية، مما عمق الفجوة بين تكاليف المعيشة والدخل المتاح للأفراد، وبخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة.
ورغم الزيادة التدريجية في رواتب الطبقة العاملة، فإنها لا تزال غير قادرة على مواكبة “غول الغلاء” الذي أرهق الأسر المغربية، وهو ما أسفر عن موجات من الإضرابات في عدة قطاعات، كوسيلة احتجاجية ضد الوضع المتدهور في سوق العمل والمعيشة. هذا الواقع يتناقض مع الخطاب الحكومي الذي يروج لفكرة “الدولة الاجتماعية”، خاصة مع استمرار معدلات البطالة المرتفعة واستفحال الفقر بين فئات واسعة من الشعب.
أما ما ذكره الوزير عن تخصيص 85.6 مليار درهم للتعليم و32.57 مليار درهم للصحة، فإن هذا التمويل، رغم أهميته، لا يكفي لمعالجة مشاكل أساسية متجذرة، مثل نقص الموارد البشرية ونقص التجهيزات في المؤسسات الصحية والتعليمية. ومما يزيد الأمر سوءاً هو الافتقار إلى رؤية مستدامة تؤدي إلى تحقيق قفزة حقيقية في جودة هذه الخدمات، حيث أن البناء العشوائي للمؤسسات والاهتمام بكم المباني لا يغني عن نوعية التعليم المقدم أو مستوى الخدمات الصحية المتاحة.
وفيما يتعلق بالتغطية الصحية، فإن الانتقال من نظام “راميد” إلى الاستفادة من خدمات القطاعين العام والخاص قد يكون خطوة إيجابية، ولكن يبقى التحدي الحقيقي هو ضمان جودة الخدمات وتوفير أطباء مختصين وعاملين مؤهلين للتعامل مع الأعداد المتزايدة من المستفيدين، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بزيادة موازنات فقط دون ضمان استخدام فعال وشفاف لهذه الأموال.
وأخيراً، رغم إعلان الحكومة عن رصد ميزانية قدرها 40 مليار درهم لدعم القدرة الشرائية، و45 مليار درهم للحوار الاجتماعي، فإن الأثر العملي لهذه الأرقام يبقى ضبابياً على أرض الواقع؛ فالمواطن المغربي يحتاج إلى إصلاحات أعمق وأكثر جذرية لتخفيف وطأة التضخم والبطالة وتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية.
في المجمل، تصريحات الحكومة عن الدولة الاجتماعية تبدو بعيدة كل البعد عن واقع المغاربة، الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة تزداد سوءاً يومًا بعد يوم.