دابا ماروك
في مسرح الحياة السياسية المحلية، تتكرر قصة عجيبة تجمع بين الضحك والبكاء، حيث تظهر مشاهد من التلاعب المكشوف والممارسات التي تكرس الفساد بنمط مستمر، بل تتجذر وتتمدد. لا شك أن قضية رؤساء الجماعات الذين تلاحقهم تقارير لجان التفتيش وتطاردهم اتهامات الفساد تحولت إلى “ملهاة تراجيدية”؛ فهؤلاء المسؤولون، على الرغم من أنهم تحت طائلة المساءلة، يبدون وكأنهم يقودون حملات موازية لإحكام سيطرتهم واستمرارية نفوذهم بطرق غريبة قد تُشعر المواطن بالحيرة والغضب في آن واحد.
هؤلاء الرؤساء لا يرون في السلطة أداة لخدمة الشأن العام أو مسؤولية أخلاقية وقانونية، بل يرونها في كثير من الأحيان وسيلة للتربح وتثبيت الذات. فتجد بعضهم، رغم تقارير الإدانة ورغم الفضائح التي تلاحقهم، يسعون جاهدين إلى تمهيد الطريق لخلفاء من “النوع المطيع”، خلفاء يمكنهم الثقة بأنهم سيستمرون في ذات النمط، تمامًا كأنها “عملية نقل للعدوى”. ما يثير الغرابة والتهكم هو لجوء بعض هؤلاء الرؤساء إلى شراء أصوات المستشارين الجماعيين المتورطين في بيع الولاءات، مكرسين بذلك نظامًا يشرعن بيع ضمائر هؤلاء المستشارين بما يشبه “تجارة بوجوه من قصدير”.
ربما يكون “الحق” أقوى من “القانون”، كما يُقال، لكنه يظل صامتًا حين تصطدم ملامحه بواقع يعج بالتواطؤ واللامبالاة. فالقانون، حين لا يُنفذ بحزم أو يُستثنى من تنفيذ أحكامه، يتحول إلى نصوص لا أكثر، تعيش فقط في الأوراق. أمّا المواطنون، فعلى الرغم من أنهم أصحاب الأصوات التي جلبت هؤلاء المسؤولين إلى مواقعهم، يجدون أنفسهم في نهاية المطاف عاجزين عن تغيير هذا الواقع.
إن وزارة الداخلية، رغم ما تملكه من أدوات رقابة وأجهزة عيون لا تغفل، بما فيها أعوان السلطة، تقف عاجزة أحيانًا عن كسر حلقة النفوذ التي نسجها هؤلاء الرؤساء في جماعاتهم. ولعل الجانب الأكثر مرارة هو أنه حتى بعد سقوط بعض الأسماء البارزة، يظل النظام كما هو؛ إذ تستمر الجماعات الترابية في تسيير شؤون المواطنين بأيدي هؤلاء “المكردعين” رغم أنف القانون ورغم أنف الإرادة الشعبية.
ليست المسألة هنا مسألة فساد فقط، بل هي أزمة تراكمات اجتماعية وثقافية وسياسية جعلت من القانون أمرًا نسبيًا وقابلًا للمرونة في يد بعض المسؤولين. فالفساد المستشري في بعض الجماعات يبدو كأنه “قيمة ثابتة” وليست ظاهرة عابرة؛ حيث يلتف المسؤولون حول القوانين بعناية، ويحوّلون التلاعب إلى سلوك يومي، مما يجعل التغيير الجذري بعيد المنال.
ولأن وزارة الداخلية مهما كان لديها من أدوات الرقابة تحتاج إلى سلطة ردع لا تقتصر على التقرير والتوصية فقط، وإنما تتجسد في إجراءات ملموسة وشفافة، يبقى الوضع الحالي أشبه بلعبة غير منصفة، حيث يتكرر المشهد، ويظل المواطن تحت رحمة مسؤولين بلا وجوه، و”بلا خجل”.