مجتمع

الميتون بيننا: عندما تنطفئ الحياة دون أن تنطفئ الأنفاس

دابا ماروك

مقدمة:

في زحام الحياة وصخبها، يعيش بيننا من هم أحياء ظاهريًا، يتحركون، يعملون، ويبتسمون أحيانًا، لكنهم في حقيقة الأمر “ميتون”. ليست هذه جملة أدبية مجازية، بل هي وصف لحالة وجودية ونفسية تنطبق على فئة كبيرة من الناس في مجتمعاتنا. “الميتون الأحياء” ظاهرة اجتماعية ونفسية تتجسد في أولئك الذين انطفأت داخلهم شرارة الحياة، أولئك الذين يتنقلون بين أروقة الحياة بلا هدف، بلا شغف، وبلا أمل. هم أناس أجسادهم حاضرة، لكن أرواحهم غائبة، كأنهم أشباح تمشي بيننا.

من هم الميتون وهم أحياء؟
الميتون وهم أحياء ليسوا بالضرورة أولئك الفقراء أو المحبطين فقط، بل يمكن أن نجدهم في كل طبقات المجتمع:

  • العامل الذي يقضي يومه بالكامل في وظيفة يكرهها دون أدنى شعور بالإنجاز.
  • الزوج أو الزوجة الذين فقدوا التواصل العاطفي مع الشريك وتحولوا إلى مجرد رفقاء في منزل.
  • الشباب الذين انطفأت لديهم أحلامهم بسبب واقع قاسٍ لا يمنحهم فرصة للتعبير عن إمكانياتهم.
  • المتقاعد الذي ينظر إلى يومه الخالي من الأهداف بعد أن كان مليئًا بالحركة والعطاء.
  • الطالب الذي يدرس ما لا يحبه لأن المجتمع أو الأسرة فرضوا عليه مسارًا لا يشبهه.

الميتون وهم أحياء، هم أولئك الذين فقدوا الرغبة في المقاومة أو السعي لتغيير واقعهم. لا يقاتلون من أجل أنفسهم أو من أجل أحلامهم، لأنهم ببساطة اقتنعوا أن الحياة لم تعد تمنحهم الفرصة.

كيف يتحول الإنسان إلى “ميت حي”؟
هناك عوامل متعددة تساهم في تحوّل الإنسان إلى هذا النوع من “الموتى”، ومنها:

  1. الإحباط المتراكم:
    الإحباط الناجم عن عدم تحقيق الأحلام والطموحات، أو الشعور بالخذلان المتكرر، يمكن أن يؤدي إلى انطفاء الروح. كأن الشخص يعتاد الفشل لدرجة أنه يتوقف عن المحاولة.
  2. غياب الهدف والمعنى:
    كثير من الناس يعيشون بلا هدف واضح، مما يجعل الحياة تبدو كأنها رحلة بلا وجهة. عندما يشعر الإنسان أنه لا قيمة لما يفعله، يتحول تدريجيًا إلى ميت بلا روح.
  3. ضغط المجتمع:
    التوقعات المجتمعية العالية التي تضعها العائلة أو المجتمع قد تسحق أحلام الفرد وتحوله إلى آلة تنفذ الأوامر دون أن تعيش حياتها.
  4. الأمراض النفسية:
    الاكتئاب، القلق، واضطرابات ما بعد الصدمة هي بوابات رئيسية تؤدي إلى الشعور بالموت الداخلي.
  5. الفقر والظلم الاجتماعي:
    عندما يعيش الإنسان في ظروف قاسية، مثل الفقر المدقع أو الظلم الاجتماعي، قد يفقد الأمل تمامًا، ويعيش يومه فقط كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، وليس للاستمتاع بها.
  6. الروتين القاتل:
    الروتين اليومي، حين يتحول إلى تكرار بلا تجديد، يصيب الإنسان بالملل ويطفئ شغفه بالحياة.

علامات الميت الحي:

  • غياب الحماس لأي شيء، حتى الأشياء التي كانت مصدرًا للسعادة يومًا ما.
  • العمل بطريقة آلية، وكأن الإنسان مجرد روبوت ينفذ المهام دون شعور أو شغف.
  • الشعور الدائم بالإرهاق النفسي والجسدي، حتى بدون بذل مجهود حقيقي.
  • فقدان التواصل الحقيقي مع الآخرين، سواء على المستوى العاطفي أو الاجتماعي.
  • التفكير الدائم في الماضي أو الخوف المفرط من المستقبل، دون التركيز على الحاضر.

المجتمع كمسرح للموتى الأحياء:
في مجتمع يعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية متراكمة، يمكن أن نجد هذه الظاهرة أكثر انتشارًا.

  • الأحياء في المدن المزدحمة:
    يخرجون من منازلهم كل صباح، يركبون وسائل النقل المكتظة، يعملون لساعات طويلة في وظائف لا يحبونها، ثم يعودون إلى منازلهم ليكرروا نفس الدورة، بلا استراحة ولا حلم جديد.
  • الأحياء في القرى المهمشة:
    يعيشون في عزلة عن العالم، محرومين من التعليم أو الفرص الاقتصادية. يعيشون حياتهم كأنها حكم إجباري، ينتظرون النهاية دون أن يجرؤوا على الحلم.
  • الشباب الطامحون لكن العاجزون:
    جيل من الشباب الذين يحلمون بتحقيق ذواتهم، لكنهم يُواجهون بواقع من البطالة، أو قلة الفرص، أو الفساد الذي يجعل كل أحلامهم تتبخر.

كيف نعيد الحياة إلى “الميتين الأحياء”؟

  1. إحياء الأمل:
    يحتاج الإنسان إلى بصيص أمل يُعيده إلى الطريق. دور المجتمع، الأسرة، والمؤسسات هو أن تمنح الناس الفرصة للشعور بأن غدًا قد يكون أفضل.
  2. إيجاد المعنى:
    تقديم فرص التعليم، والعمل التطوعي، والمبادرات الاجتماعية، يمكن أن يمنح الناس إحساسًا بالانتماء والمعنى.
  3. محاربة الفقر:
    لا يمكن أن يكون هناك شغف للحياة عندما يكافح الناس يوميًا فقط من أجل لقمة العيش. توفير حياة كريمة هو مفتاح أساسي.
  4. دعم الصحة النفسية:
    إنشاء مراكز لدعم الصحة النفسية بأسعار معقولة أو مجانية أمر حيوي لإعادة الروح للناس.
  5. تشجيع التجديد:
    يمكن كسر الروتين الممل من خلال الأنشطة الترفيهية، البرامج الثقافية، أو حتى تحفيز الناس على اكتشاف مواهبهم.
  6. المحاسبة والعدل:
    عندما يشعر الإنسان أن حقوقه محفوظة وأن هناك عدالة، ستعود له الثقة في مجتمعه وفي نفسه.

خاتمة:
الميتون الأحياء ليسوا مجرّد ظاهرة فردية، بل هم انعكاس لصورة مجتمع بحاجة إلى إصلاح عميق. علينا أن نسعى بكل طاقتنا إلى إعادة الحياة إلى هؤلاء الأشخاص، لأنهم ليسوا فقط أفرادًا عابرين، بل هم أساس بناء مجتمع صحي. إذا تركناهم في حالهم، سنجد أنفسنا يومًا جزءًا من قافلة “الميتين بين الأحياء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى