سياسةمجتمع

من أسطح المنازل إلى قمة التشريع: رحلة الطالبي العلمي في قلب المخزن المغربي

دابا ماروك

إنه من المثير للتفكير عندما نربط بين تطور الشخصيات السياسية ومساراتهم الحياتية السابقة، وخاصة عندما يكون الشخص قد مر بتجارب فوضوية أو مثيرة للجدل في صغره أو حتى في مراحل متقدمة من حياته. هذا يثير الكثير من التساؤلات حول كيف يمكن للسياسة أن تكون أحيانًا مسرحًا للهويات المتغيرة، حيث تتنقل الشخصيات بين أدوار مختلفة في المجتمع قبل أن تستقر على منصب سياسي مرموق.

عندما نتحدث عن رشيد الطالبي العلمي، الذي أصبح رئيسًا لمجلس النواب، فإننا نتحدث عن شخص كان في وقت من الأوقات جزءًا من تلك السيرة الذاتية التي تمزج بين التحديات والتجارب التي يبدو أن السياسة المغربية لا تلتفت إليها أو تتغاضى عنها في كثير من الأحيان. فتلك الفترة التي كان فيها “يتقاسم” سجائر “ماركيز” بالتقسيط، أو يتسابق على أسطح المنازل هروبًا من عناصر الشرطة القضائية، يمكن أن تُفهم على أنها فصول من حياة شخص، كان ربما يسير في مسار غير ثابت بين الخطوط الرمادية للمجتمع.

ورغم ما يبدو من تشابه بين هذا “الماضي المثير” وصورة الرجل الذي يقود اليوم أحد أهم مؤسسات الدولة، فهذه الروايات تثير في نفس الوقت تساؤلات جوهرية عن تأثير النظام السياسي نفسه في تحول الأفراد إلى رموز “مخزنية” بما تحمله هذه الكلمة من دلالات تتجاوز المعنى اللغوي إلى معانٍ أخرى أكثر عمقًا. كيف يمكن لمجتمع أن يعبر عن نفسه من خلال “حب” السلطة أو الأشخاص الذين يتكلمون باسم القانون والتشريع، وهو “حب” يبدو أحيانًا أنه غير مشروط، يتبنى بصدق وحميمية أشخاصًا كانوا في الماضي بعيدين عن الصورة التي يظنها الجميع؟

النظام المغربي، وما يسمى “المخزن”، يملك قدرة خارقة على تطويع الأشخاص بما يتماشى مع مصالحه وأهدافه. فلا يكاد أي شخص يعبر هذا “المرحلة” دون أن يكون قد تحول إلى أداة لتمثيل السلطة أو للدفاع عنها. وليس هنا موضع الحديث عن عدم كفاءة الطالبي العلمي أو التشكيك في قدراته، بل عن الظرف السياسي الذي يتيح له الفرصة للارتقاء إلى هذه المناصب، وهو ما يثير التساؤلات عن الكيفية التي يتم بها بناء “الطبقة الحاكمة” في المغرب.

المخزن، حين يحب، يحب بصدق، لكن “على المقاس”، أي وفق معايير لا تتماشى بالضرورة مع أي مبادئ أخلاقية أو سياسية. إنه حب يشبه النسيج الذي يجمع بين السلطة والأشخاص الذين يعرفون كيفية اللعب على هذه الأوتار. الشخص الذي كان يومًا ما “ملاحقًا” بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد أو الهروب على أسطح المنازل، يمكن أن يصبح اليوم رمزًا من رموز الدولة، والسلطة السياسية التي تضمن استقرار البلاد، في صور جديدة تكرس هيمنتها.

هذه الديناميكية بين الماضي والحاضر تشكل مزيجًا معقدًا من الشخصيات المتناقضة التي تشعر بأنها في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة، وكلما تبادلوا المواقع، يجدون أن السياسة قد جعلتهم يتكيفون مع الظروف والمصالح كما هو الحال مع الكثير من الشخصيات السياسية التي قد تبدأ من مكان بعيد عن السلطة ثم تنجح في الوصول إليها بفضل قدرتها على قراءة وتحليل الأحداث التي تحيط بها.

لنعد إلى فكرة أن “المخزن حين يحب، يحب بصدق وعلى المقاس”. إذا كانت السلطة في المغرب تعتمد على ولاء الأفراد وطاعتهم، فإنها أيضًا تعرف كيف تدرجهم ضمن نظامها بحيث تتحول أي نقطة ضعف سابقة إلى نقطة قوة. وبالفعل، فالشخص الذي واجه الشرطة أو كانت لديه مشاكل مالية أو سلوكية، يتحول في السياسة إلى رمز للمرونة والقدرة على التكيف، بل ويمكن أن يُنظر إليه كدليل على أن النظام المغربي يمكن أن يستوعب ويحول حتى أكثر الشخصيات المثيرة للجدل إلى جزء من شرعيته.

وفي النهاية، هذا “الحب” الذي يقدمه المخزن هو حب يقوم على منطق الدولة، ويعكس رغبة النظام في الحفاظ على استمراريته من خلال دمج هذه الشخصيات ضمن شبكته المعقدة، مما يعزز فكرة أن الشخص السياسي المغربي قد يخضع لتحولات هائلة، لكنه لا يخرج عن دائرة السيطرة التي تحكم آليات الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى