دابا ماروك
ما إن تُعلن وزارة الداخلية عن توقيف رئيس جماعة هنا ومستشار هناك، حتى يبدأ المواطنون في التساؤل: “أين المحاكم؟”. وكأن القضاء في عطلة غير محددة التاريخ، أو ربما انشغل بانتظار عودة الموقوفين من “جولاتهم القضائية السياحية”، التي عادة ما تنتهي بلا عواقب تُذكر. فما القصة؟
في بلادنا العجيبة، يبدو أن “الموقوف” ليس مجرد وصف قانوني، بل حالة اجتماعية راقية؛ حيث يستمر بعض هؤلاء في الظهور في الأعراس والولائم، يوزعون الابتسامات ويتقبلون التهاني، وكأن توقيفهم وسام شرف! هل هي مشكلة إجراءات؟ أم أن المحاكم تحتاج لدعوة خاصة للمشاركة في هذا الكرنفال؟
حتى كتابة هذه السطور، بلغ عدد الموقوفين من رؤساء الجماعات والمستشارين أرقامًا تنافس نتائج الانتخابات ذاتها! ومع ذلك، يبقى السؤال: هل هي مسرحية طويلة أم أننا أمام استراحة بين الفصول؟
دعونا لا ننسى أن القضايا غالبًا ما تكون بحجم فضائح هوليوودية: اختلاس، تزوير، فساد إداري، وأحيانًا “فن الكذب” برتبة احترافية. لكن، هل يُعقل أن كل هذه الملفات المعقدة تحتاج سنوات لفك طلاسمها؟ أم أن “العدالة البطيئة” هي أحد طقوسنا الوطنية؟
نحن لا نطالب بمحاكمات علنية تشبه البرامج الواقعية، ولا بمناظر درامية تنتهي بتسليم الأصفاد أمام الكاميرات. كل ما نريده هو إجابة بسيطة: متى؟
الأدهى أن صبر المواطن بدأ ينفد؛ فقد ملّ من سماع عبارات مثل “التحقيق جارٍ” و”القضية في يد القضاء”. هذا الصبر الذي يشبه انتظار الحافلة في يوم ماطر: طويل، ممل، وغالبًا ما ينتهي دون جدوى.
ربما حان الوقت لتذكير الجميع أن الثقة في المؤسسات لا تُبنى بالتصريحات، بل بالأفعال. فمحاكمة المفسدين ليست مجرد مطلب شعبي، بل ضرورة لبناء دولة قوية تحترم مواطنيها. وإن لم يتم تسريع الإجراءات، فقد تتحول كلمة “محاسبة” إلى مجرد نكتة جديدة في قاموسنا السياسي.
فهل سيتحرك القضاء يومًا ليُعيد للعدالة هيبتها؟ أم أننا سنظل نردد: “ما شهدنا محكمة تُفتح أبوابها”؟
إلى أن يحدث ذلك، سنظل ننتظر، ونتساءل، ونكتب… ونضحك بصوت عالٍ على واقع، لو لم يكن حقيقيًا، لكان مجرد خيال ساخر.