مجتمع

المتهورون في المغرب: ظاهرة اجتماعية تفرض نفسها حتى في الأوساط المثقفة

دابا ماروك

من أغرب الظواهر الاجتماعية في المغرب، التي تكاد تجدها في كل بيت، هو وجود شخص متهور داخل الأسرة، حتى في الأوساط التي يفترض أن تكون أكثر تعقلاً ووعياً. ليست الظاهرة مقتصرة على الأسر الفقيرة أو محدودة التعليم، بل إن المتهورين يطلّون برؤوسهم في المنازل التي تفتخر بتربيتها وتثقيف أبنائها. ويبدو أن المجتمع المغربي قد أصبح معتادًا على هذا النمط من السلوك، بل وتعايش معه بشكل غريب، لدرجة أن وجود الشخص المتهور قد بات شيئًا مألوفًا بل وحتى “مسلياً” في بعض الأحيان.

التهور: بين الطبع والتربية

من بين أغرب الملاحظات التي يمكن أن يستنتجها المرء عند دراسة سلوكات الأسر المغربية هو التناقض الواضح بين التربية الجيدة التي تقدمها العائلات وبين تصرفات الأفراد المتهورين الذين ينتمون إلى هذه الأسر. فتجد العائلة التي تهتم بتعليم أبنائها القيم السليمة والانضباط الاجتماعي قد تفاجأت بأن أحد أفرادها أصبح رمزًا للتهور والمغامرة غير المحسوبة.

يمكن أن يعزى هذا إلى الطبيعة البشرية المتنوعة، فبغض النظر عن مستوى التربية أو التعليم، تظل الشخصية الفردية تحمل جانباً من التمرد والاندفاع الذي يصعب على بعض الأفراد التحكم فيه. فهؤلاء المتهورون، رغم نشأتهم في بيئات قد تكون مثقفة ومربية، يجدون في التهور نوعًا من الحرية والانطلاق، قد يصل إلى حد تجاوز القوانين الاجتماعية وحتى القانونية.

أنواع التهور

التهور في المغرب يأتي بأشكال مختلفة، من القيادة المتهورة على الطرقات، إلى اتخاذ قرارات حياتية غير محسوبة، إلى النزاعات العائلية التي تتفجر بسبب سلوكات غير مسؤولة. المتهورون قد يكونون أشخاصًا شبابًا يعيشون حياة السرعة والمغامرة، أو حتى كبار السن الذين يفاجئون الجميع بقرارات غير متوقعة وغير مدروسة.

على سبيل المثال، لا يكاد يخلو حديث عائلي من ذكر قريب أو صديق متهور يقود سيارته بسرعة جنونية دون الالتفات إلى المخاطر. وقد يكون هذا الشخص نفسه متعلماً وحاصلاً على شهادات عليا، ولكنه يظل مثالاً للتهور على الطرق. مثل هذه السلوكات قد تبدو للبعض تسلية أو تحديًا، لكنها في الواقع تعكس مشاكل نفسية واجتماعية أكثر تعقيدًا.

المفارقة: المثقفون والمتهورون

الأسر المثقفة ليست بمنأى عن هذه الظاهرة. رغم ما قد تتميز به من وعي تربوي وثقافي، إلا أن وجود الشخص المتهور ضمنها يبقى علامة فارقة تستدعي التساؤل. قد يكون هذا التهور مجرد نزعة فردية، لكن المجتمع يتعامل معها بتسامح يفوق الحدود. ومن المفارقات أن الأحاديث العائلية لا تخلو من قصص عن المتهورين وكيف أن تصرفاتهم أحياناً قد تُضفي بعض “الحماس” على حياة الأسرة، حتى وإن كانت هذه التصرفات محفوفة بالمخاطر.

التأثيرات على المجتمع

وجود المتهورين داخل الأسر المغربية يعكس حالة من التناقض الاجتماعي، حيث تجد الفرد الواحد قادرًا على أن يكون مُحترمًا وواعياً في مواقف معينة، بينما يتحول إلى متهور غير مسؤول في مواقف أخرى. هذا التناقض لا يعكس فقط شخصية الفرد، بل يعكس أيضًا مدى تعقيد المجتمع المغربي الذي يتعامل مع هذه الظاهرة بمزيج من التسامح واللامبالاة.

لكن هذا التعايش مع التهور يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المجتمع، خصوصاً عندما يتحول هذا السلوك إلى قاعدة مألوفة. فالأطفال والشباب قد يرون في تصرفات المتهورين نموذجًا يستحق التقليد، ما يزيد من احتمالية انتشار هذا النوع من السلوك في الأجيال القادمة.

هل يمكن إصلاح الوضع؟

الحل يبدأ من الأسرة نفسها. رغم أن الشخصية الفردية قد تحمل بعض جوانب التهور، إلا أن التربية المستمرة والتوجيه الحازم يمكن أن يساهما في تقليص هذه الظاهرة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك وعي جماعي بخطورة التهور وتأثيره على الأفراد والمجتمع ككل، سواء كان ذلك من خلال التعليم أو من خلال وسائل الإعلام التي يجب أن تسلط الضوء على مخاطر السلوكات المتهورة.

في الختام، يمكن القول إن المتهورين جزء من النسيج الاجتماعي المغربي، لكن قبول المجتمع لهذا التهور يجب أن يخضع لإعادة نظر جادة. فالتهور ليس مجرد تصرف شخصي، بل هو قضية تمس سلامة الأفراد واستقرار المجتمع ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى