محمد صابر
في بلد غني بتنوعه الطبيعي والبشري، تبرز أسئلة ملحة تتعلق بمصير هذه الثروات: أين يذهب نصيب المواطن البسيط من خيرات البلاد؟ وبين الوعود الحكومية والطموحات الشعبية، يظل البحث عن العدالة الاجتماعية الحقيقية وتوزيع الثروات هاجسًا يُثقل كاهل الكثير من المغاربة. هنا، يتجلى النقاش حول من يستحق فعلاً أن ينعم بهذه الخيرات، وكيف يمكن للمواطن العادي أن يشعر بأنه شريك فعلي في التنمية، وليس مجرد متفرج على ثروات تمر من أمامه دون أن تمس حياته اليومية.
في خضم الحديث عن خيرات المغرب، يتجلى واقع مؤلم يعكس الفساد المستشري الذي يحكم الكثير من جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. إن هذه الخيرات، التي تشمل مناجم الفوسفاط والذهب وزراعة الحشيش وتركيب السيارات وغير ذلك، تكشف عن تضارب المصالح الذي يسيطر على البلاد. فالفاسدون المستفيدون من هذا الوضع يرون في الحديث عن هذه الموارد تهديدًا لمكاسبهم، بينما يشعر البعض الآخر بالخوف وكأننا نتحدث عن أسرار الدولة. في واقع الأمر، نحن نتناول قضايا يجب أن تكون مفتوحة للنقاش، حيث إن الشفافية في إدارة هذه الثروات يمكن أن تعود بالنفع على الشعب بأسره، وتساهم في بناء مستقبل أفضل.
- التفاوت الاقتصادي والفقر
رغم النمو الاقتصادي الذي شهده المغرب في العقود الأخيرة، لا تزال الفوارق الاقتصادية شاسعة بين الطبقات الاجتماعية. وفقاً للعديد من التقارير، تستفيد فئة صغيرة من النخب الاقتصادية والسياسية بشكل كبير من الموارد الوطنية، بينما يعاني العديد من المغاربة من البطالة والفقر. الأرقام تشير إلى نسب فقر مرتفعة في المناطق القروية وأحياء المدن الكبرى المهمشة. هنا، يظهر أن خيرات البلاد لم توزع بالتساوي على جميع المواطنين.
- ثروات الطبيعة والبشرية
المغرب غني بالموارد الطبيعية مثل الفوسفاط، المعادن، الزراعة، الثروة السمكية، والسياحة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي. ورغم ذلك، يشعر العديد من المواطنين أن هذه الثروات تذهب إلى جيوب قلة من أصحاب النفوذ. قطاع الفوسفاط، على سبيل المثال، يعتبر من الأعمدة الأساسية للاقتصاد المغربي، لكن النقاش يظل مفتوحاً حول مدى استفادة المغاربة العاديين من هذه الثروة.
كما أن الثروة البشرية تشكل أحد أهم أصول المغرب، حيث أن الشباب يمثلون نسبة كبيرة من السكان. ومع ذلك، يُحرم العديد من هؤلاء الشباب من فرص العمل والتعليم الجيد، ما يجعلهم غير قادرين على المساهمة بشكل فعّال في التنمية.
3. الشفافية ومكافحة الفساد
الفساد يمثل عائقاً كبيراً أمام تحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب. رغم الإصلاحات التي وعدونا بتطبيقها في مجال مكافحة الفساد، يظل تأثير هذا الظاهرة قويًا، ويُفقد الكثير من المغاربة الثقة في النظام السياسي والاقتصادي. المال العام يُهدر في بعض الأحيان على مشاريع غير فعالة أو لا تعود بالفائدة المباشرة على المواطنين.
الشفافية هي الحل الأمثل لتعزيز الثقة، فالوصول إلى المعلومات حول كيفية استغلال الثروات وتوزيعها هو حق مكفول للمواطنين. تعزيز الآليات الرقابية وتقوية المجتمع المدني يلعب دورًا كبيرًا في محاربة الفساد وضمان توزيع عادل للثروات.
4. العدالة الاجتماعية: أكثر من مجرد كلام
العدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار يرفع في الخطابات السياسية، بل هي أساس لأي دولة تريد أن تحقق التقدم والرخاء. العدالة الاجتماعية تعني:
- توفير فرص عمل لائقة لكل مواطن.
- نظام تعليمي وصحي جيد يستطيع الجميع الوصول إليه، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو مكان إقامتهم.
- توزيع متساوٍ للثروات بحيث يستفيد الجميع من الموارد الطبيعية والبشرية.
- لكي يشعر المغاربة فعلاً بأنهم شركاء في خيرات بلادهم، يجب أن تكون هناك إصلاحات جذرية في توزيع هذه الموارد، وليس مجرد مشاريع قصيرة الأمد أو منح مالية هزيلة. الأمر يتطلب رؤية شاملة تضع الإنسان في قلب التنمية.
· 5. المسؤولية المشتركة: الدولة والمجتمع
- الحكومة مسؤولة عن وضع سياسات تضمن الاستفادة العادلة من ثروات البلاد، لكن المجتمع أيضًا له دور في المطالبة بحقوقه. هنا يأتي دور المجتمع المدني الحقيقي في ممارسة الرقابة على كيفية إدارة الثروات، وفي الدفع نحو سياسات أكثر شمولاً وإنصافاً. كما أن على المواطنين أن يكونوا على وعي بمسؤوليتهم في اختيار ممثليهم والضغط من أجل إصلاحات حقيقية.
الخلاصة
في نهاية المطاف، نؤكد أن حق المغاربة في خيرات بلادهم يظل مطلبًا مشروعًا لا يمكن التنازل عنه. فالعدالة الاجتماعية الحقيقية لا تتحقق بالشعارات فقط، بل تحتاج إلى سياسات جريئة تعيد توزيع الثروات بشكل عادل وتمنح الفرص للجميع، دون استثناء. ما بين الفقر والثراء، والفساد والنزاهة، يكمن المستقبل الذي يتطلع إليه المغاربة؛ مستقبل يضمن لهم نصيبهم العادل من خيرات بلادهم، ويحفظ كرامتهم ويتيح لهم فرصة حقيقية لتحقيق طموحاتهم في وطن يتسع للجميع.