مجتمع

تداعيات قرار تقليص سنوات دراسة الطب: خرق قانوني وتهديد لمستقبل التكوين الطبي في المغرب

الحسين اليماني

الفصل السادس من الدستور المغربي ينص على أنه “ليس للقانون أثر رجعي”، بينما يشير الفصل الرابع من مجموعة القانون الجنائي إلى أن “لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان سارياً وقت ارتكابه”. وبموجب قاعدة “العقد شريعة المتعاقدين”، لا يجوز تعديل أو نقض العقد إلا باتفاق الطرفين، مما يعني أنه إذا تم إبرام العقد بشكل صحيح، فإنه يكتسب قوة ملزمة لطرفيه.

هذه المبادئ القانونية الصريحة تأتي في سياق النقاش حول الحراك الذي تشهده كليات الطب والصيدلة في المغرب، منذ حوالي عام، نتيجة قرار الوزارة تقليص سنوات الدراسة من سبع إلى ست سنوات، بدون موافقة الطلبة، والضغط عليهم للامتثال لهذا القرار.

من منطلق المبادئ التعاقدية، اختار الطلبة الانضمام إلى كليات الطب بناءً على معلومات مسبقة من الوزارة بأن مدة الدراسة ستستغرق 7 سنوات. لذلك، حينما قررت الوزارة، من جانب واحد، تقليص هذه المدة بعد تسجيل الطلبة، فإن ذلك يعد خرقًا للعقد المبرم بين الطرفين، مما يجعله غير قانوني.

الأمر الأكثر إشكالية هو محاولة تطبيق القرار بأثر رجعي على الطلبة الذين سجلوا قبل الإعلان عنه، وهو ما يتعارض مع الدستور المغربي الذي يمنع تطبيق القوانين بأثر رجعي. هذا السلوك من الوزارة يعتبر خروجًا واضحًا عن الدستور واستخدامًا غير مشروع للسلطة.

ويبدو أن الهدف الأساسي من هذا القرار هو تقليص مكانة الطبيب في المجتمع وإضعاف قيمة الشهادات الطبية، ليصبح الأطباء خاضعين لشروط عمل غير عادلة، كالعمل في المصحات الخاصة أو عبر الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل مقابل أجور ضعيفة.

بناءً على ذلك، من الضروري اتخاذ الإجراءات التالية:

  1. مراجعة قرار تقليص سنوات الدراسة الطبية، مع ضمان جودة التكوين، وحماية مكانة الطبيب في المجتمع.
  2. فتح حوار جاد مع ممثلي الطلبة والاستماع إلى مطالبهم، بما في ذلك حقهم في الاحتجاج وسحب العقوبات الموجهة ضدهم.
  3. اللجوء إلى وساطات مستقلة وموثوقة لتقريب وجهات النظر، مع الكف عن التصريحات المستفزة التي تزيد من حدة الأزمة.

وفي ظل استمرار هذه الأزمة التي بدأت تؤثر بشكل كبير على استقرار المؤسسات التعليمية الطبية، يبدو أن الحلول التقليدية التي اتبعتها الوزارة قد زادت من تعقيد الوضع. فالطلبة الذين يمثلون ركيزة المستقبل الصحي للبلاد، وجدوا أنفسهم أمام سياسات قد تؤدي إلى تدهور جودة التكوين وتفاقم أزمة قطاع الصحة، الذي يعاني أصلاً من نقص حاد في الموارد البشرية والتجهيزات.

تجاهل مطالب الطلبة وعدم إشراكهم في صياغة القرارات التي تمس مسارهم التعليمي يهدد بخلق جيل من الأطباء الذين يشعرون بالإحباط وعدم الانتماء إلى مهنة كانوا يرون فيها حلمًا ورسالة سامية. هذا الواقع قد ينعكس سلبًا ليس فقط على مستوى جودة الخدمات الصحية المستقبلية، بل أيضًا على الثقة العامة في النظام التعليمي والسياسات الحكومية المتعلقة بالصحة.

لذلك، من الضروري أن تتخذ الحكومة خطوات جادة وسريعة لمعالجة هذه الأزمة، من خلال حوار حقيقي وشفاف مع جميع الأطراف المعنية. هذا الحوار يجب أن يرتكز على الاستماع لمطالب الطلبة والأخذ بآرائهم كأساس لأي إصلاحات مستقبلية. كما أن الوساطة المستقلة قد تكون حلاً مناسبًا لضمان أن هذه الأزمة تجد طريقها إلى حل عادل ومستدام.

ختامًا، فإن مستقبل الصحة في المغرب يعتمد بشكل كبير على كفاءة واستعداد أطباء الغد. لذا، يجب أن نضمن لهم تكوينًا يحترم كرامتهم ويعزز قدراتهم، بعيدًا عن السياسات التي قد تضر بالمهنة وتضعف مكانتها الاجتماعية والاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى