سياسة

بين المغرب والجزائر: علاقة الجوار المعقدة بين الدعم والحسد والصراع حول الصحراء

دابا ماروك

العلاقة بين المغرب والجزائر: توتر تغذيه غيرة وحسد تاريخي
لطالما اتسمت العلاقة بين المغرب والجزائر بالتوتر المستمر، والذي تعود جذوره إلى عوامل عدة، يأتي في مقدمتها الحسد الجزائري تجاه المغرب. في حين يسعى المغرب إلى تطوير اقتصاده وتعزيز موقعه الإقليمي، تشعر الجزائر بتهديد مستمر نتيجة هذا التقدم، وهو ما يولد حالة من الغيرة والتوتر بين البلدين. هذه العلاقة المعقدة، التي تجمع بين حسن الجوار من جهة، والنزاعات السياسية والطمع في النفوذ من جهة أخرى، تتجسد بشكل أوضح في دعم الجزائر لجبهة البوليساريو وسعيها لعرقلة جهود المغرب في تسوية النزاع حول الصحراء

تاريخ مشترك وتحديات مستمرة

قبل الخوض في تفاصيل التوترات، من المهم الإشارة إلى أن العلاقات بين المغرب والجزائر تعود إلى أزمان بعيدة. فقد كانت فترات الاستعمار الفرنسي والإسباني فترة صعبة لكلا البلدين، حيث عانى الشعبان من الاحتلال الأجنبي. المغرب كان داعمًا لاستقلال الجزائر، وفتح حدوده وساهم في تسليح المقاومة الجزائرية خلال فترة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي. وفي هذا السياق، يعتبر المغرب مساهمًا في حصول الجزائر على استقلالها في 5 يوليوز 1962، حيث قدم الدعم السياسي والمادي للجزائريين.

ومع ذلك، بمجرد تحقيق الاستقلال، بدأت تظهر بعض الخلافات بين البلدين. واحدة من القضايا التي برزت بسرعة كانت الحدود بين البلدين، التي لم تكن واضحة بالكامل بعد انسحاب الاستعمار. وقد أدى ذلك إلى اندلاع حرب الرمال في 1963، وهي مواجهة عسكرية قصيرة الأمد، كانت بمثابة بداية توتر دائم في العلاقات الثنائية، حيث زاد الانتصار التاريخي الذي حققه المغرب من عقدة النظام العسكري.

قضية الصحراء المغربية

منذ سبعينيات القرن الماضي، تصاعدت التوترات بين المغرب والجزائر بشكل ملحوظ على خلفية قضية الصحراء المغربية. المغرب يعتبر الصحراء جزءًا لا يتجزأ من ترابه الوطني، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تسعى لإقامة دولة مستقلة في المنطقة. هذا الموقف الجزائري دفع المغرب إلى اتهام الجزائر بالتدخل في شؤونه الداخلية وعرقلة جهوده لتسوية النزاع. وتعتبر الجزائر الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي الفاشل الذي تقدمه لجبهة البوليساريو جزءًا من سياستها الإقليمية، وهو ما يزيد من تعقيد العلاقة بين البلدين.

الحسد والطمع: تفسير للصراع

من بين الأسباب التي قد تفسر توتر العلاقة بين البلدين هو الحسد والطمع. المغرب يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي واقتصاد متنوع، مما يجعله قوة اقتصادية إقليمية في شمال أفريقيا. بعض المحللين يرون أن الجزائر تشعر بنوع من الحسد تجاه هذا الوضع، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر بسبب اعتمادها الكبير على عائدات النفط والغاز. المغرب، من جانبه، نجح في تنويع اقتصاده، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما قد يثير القلق لدى الدوائر المتحكمة في الجزائر.

تمويل ميليشيات البوليساريو: عقبة أمام الاستقرار

من بين الأسباب الرئيسية لتوتر العلاقات بين المغرب والجزائر هو استمرار دعم الجزائر لجبهة البوليساريو. هذا الدعم، الذي يشمل تمويل الميليشيات وتزويدها بالمعدات العسكرية، يعزز من تعقيد الأوضاع في المنطقة ويحول دون التوصل إلى حل دائم للصراع. المغرب يرى أن الجزائر تستخدم قضية الصحراء كوسيلة للضغط عليه وإضعاف دوره الإقليمي، بينما تؤكد الجزائر على أن دعمها للبوليساريو يأتي في إطار التزامها بمبدأ تقرير المصير، وهو مبرر لا علاقة له بالواقع.

علاقة الجوار: ضرورة التفاهم

في الواقع، لا يمكن للبلدين تجاهل بعضهما البعض. والتحدي الأكبر الذي يواجههما اليوم هو كيفية تجاوز هذه التوترات التاريخية والتوصل إلى صيغة تضمن السلام والاستقرار في المنطقة. هذا يتطلب حوارًا بناءً وتفاهمًا متبادلًا بين الحكومتين، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الشعبين.

من الضروري أن تعي الحكومتان أن النزاع المستمر لا يخدم مصالح أي منهما، بل يعطل التنمية والتقدم في البلدين، ويحول دون تحقيق التعاون الإقليمي الذي يمكن أن يعود بالفائدة على الجميع. التصعيد والمواجهة الدائمة لا تجلب سوى المزيد من المعاناة، في حين أن التفاهم والحوار هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة. ورغم أن جلالة الملك محمد السادس قد دعا في مناسبات سابقة إلى الحوار وتجاوز الخلافات من خلال فتح الحدود كخطوة أولى، إلا أن الحقد الجزائري الدفين لم يتجاوب مع هذه النداءات المتكررة، مما يزيد من تعقيد الوضع ويعطل آفاق الحل..

خاتمة

العلاقة بين المغرب والجزائر تحتاج إلى إعادة تقييم من الطرفين. رغم التحديات الكبيرة التي واجهت البلدين على مر العقود، يظل هناك أمل في بناء علاقات أفضل تقوم على التعاون والتفاهم. يجب على الطرفين تجاوز خلافاتهما التاريخية والعمل معًا من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وهو ما سيعود بالنفع على شعبيهما وعلى منطقة المغرب الكبير ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى