مجتمع

المادة الثالثة من المسطرة الجنائية: هل تُقيد حماية المال العام أم تُعزز المركزية القضائية؟

دابا ماروك

مشروع تعديل المسطرة الجنائية، خاصة المادة الثالثة منه، أحدث جدلاً واسعاً بين الجمعيات الناشطة في مجال حماية المال العام والسلطة التشريعية. تعتبر هذه الجمعيات أن الصيغة الحالية لهذه المادة تعيق مكافحة الفساد وتحصين المال العام من التلاعب، نظراً للقيود التي تفرضها على الجهات التي يمكنها إحالة الملفات المتعلقة بالجرائم المالية.

المضمون الرئيسي للمادة الثالثة                                          

تحدد المادة الثالثة الجهات المخولة لإجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، وهي تشمل:

  1. الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيساً للنيابة العامة.
  2. المجلس الأعلى للحسابات.
  3. المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية.
  4. المفتشيات العامة للوزارات أو الإدارات المعنية.
  5. الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
  6. أي هيئة يمنحها القانون صراحة هذا الحق.

الانتقادات الموجهة للمادة

  1. الحد من صلاحيات الجمعيات: تعتبر الجمعيات، مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن النص يقيد دور المجتمع المدني في التبليغ عن جرائم الفساد أو التدخل كطرف مدني، مما يضعف جهود مكافحة الفساد ويكرس نوعاً من الاحتكار المؤسسي.
  2. غياب دور النيابة العامة المحلية: تنص المادة على ضرورة تدخل الوكيل العام لمحكمة النقض فقط، مما يجعل النيابة العامة في المحاكم الأخرى خارج دائرة الاختصاص، ويؤدي إلى مركزية مفرطة في معالجة ملفات الفساد.
  3. التعقيد البيروقراطي: الربط بين الإحالة على الهيئات المختلفة وتقرير خاص من المفتشيات أو المجلس الأعلى للحسابات قد يؤدي إلى تعطيل البت في القضايا المالية أو إطالة أمد التحقيق.
  4. تهديد الشفافية والرقابة المجتمعية: إلغاء حق المبادرة المباشرة من طرف المجتمع المدني يُعدّ تهديداً لدور الرقابة الشعبية، خاصة أن العديد من ملفات الفساد المالي بدأت بمبادرات فردية أو تقارير جمعيات مستقلة.

ردود الأفعال

الجمعية المغربية لحماية المال العام بدأت مناقشات وطنية لوضع خطط نضالية للضغط على المؤسسة التشريعية لتعديل المادة. وقد تركزت النقاشات حول:

  • تصعيد الاحتجاجات والمطالبة بتوسيع دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد.
  • تقديم مذكرة ترافعية للبرلمان تحتوي على مقترحات لتعديل المادة بما يضمن إشراك أوسع للجهات الفاعلة.
  • التنسيق مع منظمات وطنية ودولية للضغط من أجل تحقيق الشفافية وحماية المال العام.

مقترحات بديلة

لضمان التوازن بين حماية المال العام وضبط الصلاحيات، يمكن اقتراح:

  1. توسيع قائمة الجهات المخولة: تضمين الجمعيات المتخصصة التي تحظى باعتراف رسمي ضمن الهيئات التي يمكنها إحالة ملفات الفساد.
  2. تعزيز دور النيابة العامة المحلية: إعطاء النيابة العامة في المحاكم الابتدائية والاستئنافية دوراً في فتح تحقيقات أولية بناءً على شكايات أو تقارير جمعيات.
  3. تقليص البيروقراطية: إزالة الاشتراطات المعقدة للإحالة، مثل التقارير المسبقة، وجعل التبليغ أكثر سلاسة وسرعة.

الخلاصة

يعتبر مشروع المادة الثالثة من المسطرة الجنائية فرصة لمراجعة الآليات القانونية لمحاربة الفساد، لكنه يثير مخاوف من تقييد المبادرة المجتمعية والشفافية. التوازن بين ضبط الصلاحيات وضمان مشاركة فاعلة للمجتمع المدني هو المفتاح لحماية المال العام وتعزيز الثقة في النظام القضائي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى