ظاهرة التسبيقات العقارية وإشكالية إعادة بيع العقارات في المغرب: بين القانون والتداعيات الاجتماعية
دابا ماروك
في السوق العقارية المغربية، يتفق العديد من الأشخاص على شراء بقعة أرضية أو عقار معين، ويدفعون تسبيقًا للمالك كإثبات للجدية في الشراء. غير أن هذه العملية البسيطة قد تتحول إلى مصدر نزاعات قانونية واجتماعية، خاصة عندما لا يتم توثيق الاتفاق بشكل رسمي، أو عندما يستغل المالك ارتفاع قيمة العقار لإعادة بيعه دون احترام الاتفاق الأول، ما يؤدي إلى ضياع حقوق المشترين وإثارة تساؤلات حول أخلاقيات التعاملات العقارية.
الفسخ الاتفاقي والفسخ القضائي:
- الفسخ الاتفاقي: يمكن للأطراف الاتفاق مسبقًا على أن العقد يُفسخ تلقائيًا في حالة عدم وفاء أحدهما بالتزاماته. ينص الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أنه: “إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء”.
- الفسخ القضائي: في حالة عدم وجود شرط اتفاقي، يمكن للطرف المتضرر اللجوء إلى القضاء لطلب فسخ العقد بسبب إخلال الطرف الآخر بالتزاماته. يتطلب ذلك إثبات الإخلال واللجوء إلى المحكمة المختصة لإصدار حكم بالفسخ.
إشكالية التسبيق وغياب العقود الموثقة
تبدأ المشكلة عند إبرام اتفاق شفوي أو غير مكتمل بين المالك والمشتري، حيث يتم دفع تسبيق كضمان لإتمام عملية البيع. في حالات عديدة، يتعمد بعض الملاكين استغلال ارتفاع قيمة العقار بعد مرور فترة من الزمن – قد تكون سنة أو أكثر – ليقوموا ببيعه لشخص آخر بسعر أعلى. هذا السلوك يُلحق خسائر مالية جسيمة بالمشتري الأول الذي غالبًا ما يجد نفسه عاجزًا عن استرجاع التسبيق.
الجوانب القانونية: ضمان الحقوق وحل النزاعات
القانون المغربي يعالج هذا النوع من النزاعات عبر عدة فصول من قانون الالتزامات والعقود:
- توثيق الالتزامات (الفصل 230):
يعتبر الالتزامات التعاقدية المنشأة بشكل صحيح ملزمة للطرفين. لذا فإن توثيق أي اتفاق يُعد ضرورة لحماية الحقوق. - التعويض عن الضرر (الفصل 78):
يحق للمشتري المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة إخلال المالك بالاتفاق. - إرجاع التسبيق (الفصل 66):
ينص القانون على أنه إذا حصل شخص على منفعة أو مبلغ مالي دون سبب يبرره، فإنه ملزم بإرجاعه. - حسن النية (الفصل 231):
يلزم هذا الفصل الأطراف بتنفيذ التزاماتهم بحسن نية، ما يعني أن أي تحايل أو تلاعب يعد خرقًا صريحًا للقانون.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية
- زيادة المضاربات العقارية:
إعادة بيع العقارات دون احترام الاتفاقات المبرمة يساهم في تضخيم الأسعار بشكل مبالغ فيه، مما يجعل امتلاك العقارات بعيد المنال للكثيرين. - انعدام الثقة في السوق العقارية:
يصبح المشترون أكثر حذرًا وخوفًا من التعامل مع الملاك، مما يعيق حركة الاستثمار العقاري. - خسائر مالية ونفسية للمشترين:
ضياع التسبيق يسبب أزمة مالية للمشتري، وغالبًا ما يؤدي إلى نزاعات طويلة الأمد في المحاكم.
حلول عملية للحد من الظاهرة
- إلزامية التوثيق:
يجب أن يكون أي اتفاق بيع أو تسبيق موثقًا لدى موثق أو عدل، بما يضمن حماية الطرفين ويمنع أي تلاعب. - تعديل القوانين العقارية:
يتطلب الأمر تحديث التشريعات العقارية لجعلها أكثر صرامة في حماية حقوق المشترين ومعاقبة الملاك الذين يخلون بالتزاماتهم. - إنشاء صندوق ضمان للتسبيقات:
يمكن إنشاء صندوق تديره الجهات المعنية، بحيث يتم ضمان استرداد التسبيق في حالة عدم إتمام البيع. - التوعية القانونية:
حملات توعوية للمواطنين حول أهمية العقود المكتوبة وحماية حقوقهم القانونية، مع تقديم إرشادات للتعامل السليم في الصفقات العقارية.
خاتمة
الظاهرة التي تجمع بين عدم إرجاع التسبيقات وإعادة بيع العقارات في ظل غياب التوثيق القانوني تُعد تحديًا يواجه السوق العقارية المغربية. من الضروري أن يتعاون المشرعون، الموثقون، والمجتمع المدني لمعالجة هذا السلوك وضمان نزاهة المعاملات العقارية. توثيق الاتفاقيات، تعزيز الرقابة القانونية، وزيادة الوعي المجتمعي هي ركائز أساسية لبناء سوق عقارية عادلة وشفافة تحترم حقوق جميع الأطراف.