مجتمع

الأفق الغامض للإعلام الورقي في المغرب: أزمة توزيع أم أزمة وجود؟

دابا ماروك

في زمن يكتسحه العالم الرقمي، تواجه الصحافة الورقية في المغرب تحديات تتجاوز مجرد التوزيع أو التسويق لتصبح معركة وجودية تمس جوهر حرية التعبير والتعددية الإعلامية. هذه الأزمة ليست فقط معركة بين الناشرين وشركة توزيع واحدة، بل هي انعكاس لمعادلة اقتصادية وإعلامية واجتماعية معقدة تعيد رسم خريطة الإعلام التقليدي.

تراجع الإقبال على القراءة: مسؤولية من؟

تُظهر الأرقام انخفاضًا ملحوظًا في مبيعات الصحف الورقية، لكن السبب لا يتوقف عند ضعف الإقبال الشعبي على القراءة. فالتحديات الاجتماعية مثل تدني مستويات التعليم والثقافة العامة، وصعوبة الوصول إلى الصحف في المناطق النائية، تلعب دورًا محوريًا. ومع هذا، تظل هناك أسئلة حول مسؤولية المؤسسات الصحفية نفسها في تطوير محتوى ملائم ومواكب لتطلعات الجمهور.

الشركات الوطنية للتوزيع: شريك أم معرقل؟

شركة “سابريس”، الموزع الحصري للصحف الورقية في المغرب، تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع ناشري الصحف. فبعد استفادتها من دعم حكومي استثنائي، باتت الآن تطالب الصحف الورقية بتكاليف إضافية مقابل خدماتها. هذه السياسة، التي قد تبدو منطقية من زاوية تأمين استمرارية الشركة، تهدد بشكل مباشر استدامة العديد من الصحف التي تعاني أصلاً من أزمات مالية خانقة.

دعم الدولة: بين الواجب الوطني وضيق الموارد

رغم جهود الدولة لدعم قطاع الإعلام، يبدو أن الاستراتيجية الحالية بحاجة إلى إعادة تقييم. فبدلًا من توجيه الدعم لتحسين شبكة التوزيع وزيادة الوصول إلى القرى والمناطق المهمشة، تُستنزف الموارد في حلول مؤقتة وغير مستدامة. السؤال هنا: هل يمكن تحويل هذا الدعم إلى نموذج استثماري يساعد الصحف على التحول الرقمي وتعزيز حضورها في المشهد الإعلامي الحديث؟

مستقبل الإعلام الورقي في المغرب: بين الإصرار والتطور

لا شك أن الصحافة الورقية تواجه تحديًا عالميًا، لكنها في المغرب تحمل أبعادًا أكثر تعقيدًا. فهي ليست فقط وسيلة إعلامية بل جزء من هوية وطنية وثقافة مجتمع. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب تحالفًا جديدًا بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لإعادة ابتكار نموذج أعمال مستدام.

دعوة للحوار الوطني

في ظل هذه الأزمة، يبقى الحل الأمثل هو فتح حوار وطني شامل يضم كافة الأطراف المعنية، من ناشرين وشركات توزيع إلى الحكومة والمجلس الوطني للصحافة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية. الهدف يجب أن يكون وضع خارطة طريق واضحة تضمن استمرارية الإعلام الورقي كمصدر موثوق للمعلومات، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التكنولوجية والمجتمعية.

إن الحفاظ على الصحافة الورقية ليس مجرد دفاع عن صناعة تقليدية، بل هو دفاع عن حق المواطن في الوصول إلى إعلام مستقل ومتعدد يعكس تنوع الرؤى والتوجهات داخل المجتمع المغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى