مجتمع

تفجيرات الفساد: القيود تقتحم البرلمان

دابا ماروك

ها هي القيود وصلت قبة البرلمان… وأي قيود! إذا كنت تعتقد أن هذا الخبر جاء ليُدخل السرور إلى قلب المواطن البسيط، فإليك المفاجأة: القيود ليست على المفسدين، بل على من يجرؤ على كشفهم! ومن جملة “حسنات” الحكومة، جزاها الله خيرا، أنها أبدعت في إحكام الطوق على كل من يحاول فضح المستور.

حكاية مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد

أُحيل مشروع القانون هذا الأسبوع إلى مجلس النواب، متسللاً بخطى واثقة كأنه فارس نبيل يحمل راية الإصلاح. لكن، يا لها من راية! فالصيغة المقدمة كانت مشحونة بتعديلات أثارت الريبة أكثر من الحماس.

أبرز تلك “الإصلاحات”، أو لنقل بوضوح “القيود الجديدة”، تستهدف الجمعيات التي كانت إلى الأمس القريب تصدح بالحقيقة وتفضح ناهبي المال العام. الآن، هذه الجمعيات بحاجة إلى “تأشيرة رسمية” من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أو من المجلس الأعلى للحسابات، أو حتى من مفتشيات الوزارات، قبل أن تفكر في تحريك أي دعوى.

“شفافية تحت الطلب”!

بصريح العبارة: إذا لم تحصل على تقرير رسمي من المفتشية أو إذن من هيئة عليا، فانسَ الأمر. أما إذا حاولت التحرك بدون تلك الورقة السحرية؟ فالطريق مسدود أمامك! يبدو أن جمعيات محاربة الفساد أصبحت تُعتبر مصدر قلق أكثر من كونها شريكة في الإصلاح.

جمعيات على الهامش؟

لنكن صرحاء، هذا النص لا يترك مجالاً للشك في نواياه. الجمعيات لم تعد حرة في أداء دورها الطبيعي، بل عليها أن تلعب دور الكومبارس الذي يظهر في الخلفية دون أن يُسمع صوته. كيف لها أن تنتصب كطرف مدني في قضية فساد مالي إذا كانت أصلاً ممنوعة من البحث أو التحري؟

الفساد: فضائح تتفجر وأصوات تُكتم

بينما يتحدث المشرع عن حماية المال العام، الحقيقة أن قضايا الفساد في هذا البلد تفجرت كالبراكين، لتكشف عن شبكات مترامية الأطراف بين مسؤولين ونخب اقتصادية. ولكن، بدل أن تُفتح الأبواب أمام التحقيقات المستقلة، جاء هذا القانون ليُغلقها بإحكام، ويمنح الفاسدين حصانة غير معلنة.

الشفافية الجديدة: ورق وقلم وتقرير رسمي

التبرير الرسمي؟ حماية المال العام من “التشهير” و”التحامل”. لكن هل فعلاً هذا هو الهدف؟ أم أن الهدف الحقيقي هو إحكام السيطرة ومنع “الشوشرة” على الجهات ذات النفوذ؟ فمن الواضح أن المشرع كان حريصًا على توجيه الرسالة: كل شيء تحت السيطرة، والشفافية باتت تخضع لشروط خاصة، بل وأحيانًا لتقارير تُكتب على المقاس.

الخلاصة الساخرة

إذا كنت من محبي جمعيات محاربة الفساد، فعليك الآن أن تودع أحلامك في جارور مظلم. فمع مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد، يبدو أن الحرب على الفساد تحولت إلى “هدنة” طويلة الأمد، بانتظار إشارة من الجهات الرسمية لتحريك المياه الراكدة. وفي هذه الأثناء، على المواطن أن يستمتع بالمشاهدة… بلا صوت، ولا صورة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى