التقادم في القانون المدني: حماية للاستقرار أم مساس بالحقوق؟
دابا ماروك
استهلال
يُعتبر التقادم في القانون المدني من المواضيع الحيوية التي تثير جدلاً مستمراً بين المهتمين بالشأن القانوني. التقادم هو وسيلة قانونية تُمكِّن الشخص من اكتساب حق أو التخلص من التزام بمضي مدة زمنية محددة ينص عليها القانون. ورغم ما يوفره من استقرار قانوني، إلا أن تطبيقه يثير تساؤلات حول مدى تحقيقه للعدالة ومساهمته في حماية الحقوق.
الأساس القانوني للتقادم
ينص الفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أن “كل دعوى ناشئة عن التزام تتقادم بمضي 15 سنة، ما لم ينص القانون على مدة أقصر”. ويُستثنى من هذه القاعدة بعض الدعاوى التي حدد لها القانون مدد تقادم خاصة، كالدعاوى المتعلقة بالأداءات الدورية التي تتقادم بخمس سنوات وفق الفصل 388.
أنواع التقادم
- التقادم المكسب: هو المدة التي بموجبها يكتسب الشخص حقاً إذا حاز شيئاً حيازة قانونية مستوفية للشروط.
- مثال: اكتساب الملكية العقارية بالحيازة لمدة 10 سنوات وفق الفصل 240.
- التقادم المسقط: هو انقضاء المدة الزمنية التي يؤدي مرورها إلى سقوط الحق في رفع الدعوى القضائية.
- مثال: التقادم على الدعاوى المتعلقة بالمسؤولية التقصيرية بخمس سنوات وفق الفصل 106.
مبررات التقادم
- حماية الاستقرار القانوني: يمنح التقادم الأشخاص شعوراً بالاستقرار بعد انقضاء فترة طويلة دون نزاعات قانونية.
- تخفيف العبء عن القضاء: يُساهم في تقليل عدد القضايا التي يتم رفعها بعد مرور زمن طويل على نشوء الحق.
- تشجيع الأطراف على ممارسة حقوقهم بسرعة: يدفع التقادم الأفراد إلى التحرك بسرعة للمطالبة بحقوقهم.
الانتقادات الموجهة للتقادم
- المساس بالحقوق المكتسبة: يمكن للتقادم أن يؤدي إلى ضياع حقوق الأشخاص الذين لم يتمكنوا من المطالبة بها لظروف قاهرة.
- مثال: سقوط حق العامل في رفع دعوى بشأن الأجور المتأخرة بعد مرور سنتين وفق مدونة الشغل.
- التعارض مع مبادئ العدالة: قد يُعتبر تطبيق التقادم بشكل صارم إضراراً بمفهوم العدالة، خاصة في الحالات التي يصعب فيها على الشخص المطالبة بحقه لأسباب موضوعية.
- إمكانية إساءة استخدامه: قد يلجأ بعض المدينين إلى المماطلة والتهرب من الالتزامات اعتماداً على قرب انقضاء مدة التقادم.
الاجتهاد القضائي والموقف العملي
أبرزت محاكم المملكة من خلال أحكامها أهمية التوازن بين الاستقرار القانوني وحماية الحقوق. في قرار صادر عن محكمة النقض، أكدت المحكمة أن “التقادم لا يُطبق إلا إذا أثاره الطرف المعني”، مما يُبرز دور الأطراف في إثارة الدفع بالتقادم كوسيلة دفاعية.
الخاتمة
يظل التقادم وسيلة مزدوجة التأثير بين تحقيق الاستقرار القانوني وضمان العدالة الفردية. لتحقيق هذا التوازن، قد يكون من الضروري مراجعة النصوص القانونية وتحديد مدد تقادم تتلاءم مع طبيعة كل حق أو التزام، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة التي قد تحول دون ممارسة الحقوق.
التوصيات
- تعديل مدد التقادم بما يتناسب مع طبيعة كل نوع من الحقوق.
- وضع استثناءات أكثر وضوحاً للحالات التي يستحيل فيها المطالبة بالحق ضمن المدة المحددة.
- تعزيز التوعية القانونية بحقوق الأفراد وآجال التقادم لضمان عدم ضياع الحقوق.