سياسة

ساسة آخر الزمان: كيف ترك المواطنون الساحة للمرتزقة؟

دابا ماروك

في السنوات الأخيرة، بات العزوف عن الانخراط في العمل السياسي ظاهرة ملحوظة في العديد من الدول، بما في ذلك المغرب. معدلات المشاركة السياسية في الانتخابات تتراجع، والمواطنون يشعرون بالإحباط واللامبالاة تجاه الأحزاب والفاعلين السياسيين. ليس من الصعب ملاحظة أن العديد من الأفراد الذين كانوا يملكون حماسًا للتغيير السياسي أصبحوا اليوم يتحدثون بمرارة عن السياسة، ويصفونها بأنها “لعبة مصالح” لا تخدم سوى فئة ضيقة من النخبة السياسية.

أحد أهم العوامل التي تقف وراء هذا العزوف الجماعي هو الشعور العميق بفقدان الثقة في الفاعلين السياسيين. هذا الشعور يتغذى على عقود من الإخفاقات السياسية، الوعود التي لم تتحقق، والتلاعب بمشاعر الناخبين لأغراض انتهازية. المواطن البسيط، الذي كان يحلم بأن يجد في السياسة وسيلة لتحسين ظروفه المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية، يجد نفسه أمام وجوه سياسية قديمة لم تعد تثير لديه سوى النفور. بل إن بعض هذه الشخصيات أضحت مكروهة لدرجة أن مجرد رؤيتها في الساحة السياسية يثير الاستياء والغضب بين الجمهور.

واقع العزوف

إذا نظرنا بعمق إلى واقع العزوف عن العمل السياسي، نجد أن الأسباب تتجاوز مجرد الإحباط الشخصي أو الإحساس بعدم جدوى المشاركة. السياق التاريخي والسياسي، والتجارب المتكررة للفشل في تلبية احتياجات الشعب، كلها عوامل تراكمت لتصنع حالة من اليأس السياسي. في كل مرة يُنادى فيها بإصلاحات جديدة أو انتخابات نزيهة، تأتي النتائج مخيبة للآمال.

إن هذه الحالة من الاستياء الجماعي تجاه السياسة ترتبط بشكل مباشر بالأداء المتواضع لبعض الساسة الذين أثبتوا عدم قدرتهم على قيادة البلاد نحو التغيير الحقيقي. هؤلاء السياسيون، الذين اكتسبوا سمعة سيئة بسبب سياساتهم الفاشلة أو فسادهم، باتوا يمثلون صورة “ساسة آخر الزمان” الذين يُنظر إليهم على أنهم بعيدون عن هموم المواطن العادي. سلوكياتهم، التي تتسم بالمحسوبية، والفساد، وعدم الاكتراث بمصلحة العامة، عززت من الشعور بأن السياسة أصبحت مجالًا مغلقًا يُستخدم لتحقيق مصالح شخصية أو عائلية.

فقدان الثقة في العمل السياسي

إن فقدان الثقة في المؤسسات السياسية والأحزاب هو نتاج طبيعي لهذا الواقع. المواطنين لم يعودوا يرون في الأحزاب السياسية أدوات للتغيير، بل يعتبرونها مؤسسات ميتة، خالية من الدينامية والإبداع، وتفتقر إلى القيادة الصادقة. الأحزاب في نظر الكثيرين أصبحت منصات لتحقيق مصالح فردية على حساب المصلحة العامة، ما أدى إلى تضاؤل الرغبة في الانضمام إليها أو دعمها.

هذا العزوف الجماعي يُعبر عن نوع من المقاومة الصامتة تجاه الوضع القائم. المواطنون، بدلًا من الانخراط في العمل السياسي ومحاولة تغييره من الداخل، يختارون الانسحاب والابتعاد، وهو ما يخلق فراغًا سياسيًا يستغله المرتزقة وأصحاب المصالح الشخصية. هؤلاء يستغلون غياب المواطن الفاعل ليعززوا مواقعهم، مما يزيد من تهميش الأغلبية الصامتة ويعزز شعورهم بالعجز.

ضرورة الانخراط ومحاربة المرتزقة

ولكن هل يمكن للمواطنين الاستمرار في هذه الحالة من الانسحاب السلبي؟ بالتأكيد لا. إذا كان العزوف عن السياسة هو أحد أوجه المشكلة، فإن الحل يكمن في الانخراط الفاعل والعمل على تغيير قواعد اللعبة السياسية من الداخل. إن ترك الساحة للمرتزقة والساسة الانتهازيين لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من الفساد والانحدار.

الانخراط في العمل السياسي يجب أن يكون مبنيًا على الوعي بأن التغيير الحقيقي لا يأتي بالابتعاد أو المقاطعة، بل بالمشاركة والمواجهة. على المواطنين الشرفاء أن يدخلوا الساحة السياسية، ليس فقط كناخبين، بل كأعضاء فاعلين داخل الأحزاب، وأن يعملوا على إصلاح هذه المؤسسات من الداخل.

فمن دون إرادة حقيقية للتغيير، ومن دون وجود أصوات جديدة قادرة على قلب الموازين وإعادة بناء الثقة بين السياسة والمواطنين، سنستمر في رؤية نفس الوجوه، وسنظل في دوامة من الإحباط والعزوف.

خاتمة

العزوف عن الانخراط في العمل السياسي يمثل تحديًا كبيرًا لمستقبل الديمقراطية في المغرب. ولكن على الرغم من سلوكات ساسة آخر الزمن وغياب الثقة، لا يجب أن يستسلم المواطنون لهذه الحالة من السلبية. المعركة الحقيقية ليست فقط ضد الفساد، بل ضد حالة اللامبالاة التي تمكن المرتزقة من السيطرة على المشهد السياسي. التغيير يبدأ من الداخل، ومن داخل الأحزاب السياسية، حيث يجب أن تكون المعركة ضد الفساد والاستغلال وضد القيم السلبية التي أصبحت تسيطر على العمل السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى