الأنانية والتربية: جذور أزمة المجتمع المغربي
م-ص
لا شك أن أمّ الأزمات التي يعاني منها المجتمع المغربي، وربما المجتمعات البشرية بشكل عام، تعود إلى خلل عميق في التربية. التربية ليست فقط تعليم الحروف والأرقام، بل هي منظومة متكاملة تُزرع فيها القيم والمبادئ الإنسانية في الأفراد منذ الصغر. وإذا أردنا أن نكون صريحين، فالإجابة على سؤال: “هل نحن شعب أناني؟” ستكون بنعم.
الأنانية في تفاصيل حياتنا اليومية
الأنانية في المجتمع المغربي ليست فقط سلوكاً فردياً عابراً؛ بل أصبحت نمطاً جماعياً يتجلى في مختلف مظاهر الحياة. لنأخذ على سبيل المثال قضايا الإرث. كم من الأسر تفككت بسبب نزاعات حول تقسيم التركة؟ المدهش أن النزاعات ليست فقط حول الحقوق الشرعية، بل تمتد إلى اتهامات متبادلة وشكوك لا حصر لها. هذه الظاهرة تعكس غياب ثقافة الثقة والتسامح، حيث يتم تغليب المصالح الذاتية على قيم الرحمة والتراحم الأسري.
وفي مجال العلاقات الزوجية، نجد أن الأنانية هي القاسم المشترك الأعظم في قضايا الطلاق. الطرفان يتشبثان برؤيتهما الخاصة، كل منهما يلعب دور “الضحية” ويصور الآخر كجاني. هذا الانعدام في تحمل المسؤولية والقدرة على التنازل من أجل استقرار الأسرة يؤدي إلى انهيار البيوت وتشريد الأطفال.
الأنانية في العمل
المكان الذي يُفترض أن يكون مجالاً للإبداع والعمل الجماعي يتحول أحياناً إلى حلبة صراع تُحكمها الأنانية. زملاء العمل الذين كان من المفترض أن يدعموا بعضهم البعض، يتحولون إلى خصوم، يتآمرون ويختلقون الأكاذيب للتخلص من الكفاءات الحقيقية. في بيئة كهذه، يصبح النجاح مرهوناً بالولاء الأعمى للرؤساء والتملق، وليس بالاجتهاد أو المهارة.
العلاقات الإنسانية على حافة الزوال
العلاقات الإنسانية، تلك الشبكة الدقيقة التي تربط البشر بعضهم ببعض، تواجه خطر الاندثار. الاحترام، الذي يُعتبر الأساس لأي علاقة صحية، يتراجع أمام موجة من السلوكيات الأنانية والمصالح الشخصية. أصبح من النادر أن تجد صداقة حقيقية مبنية على التضحية والوفاء، أو علاقة زمالة تسودها الأخلاق المهنية.
الرشوة والفساد: وجه آخر للأنانية
الأنانية ليست مجرد تصرفات فردية، بل تمتد إلى الفساد والرشوة، اللذين ينخران في جسم المجتمع ويعيقان تقدمه. الموظف الذي يتلقى رشوة لتجاوز القانون، والسياسي الذي يختلس المال العام، كلاهما يمارس الأنانية بأبشع صورها. هذه الممارسات لا تُلحق الضرر بالمجتمع فقط، بل تدمر الثقة بين الأفراد ومؤسسات الدولة.
التربية: مفتاح الحل
إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة، فعلينا العودة إلى الجذور، إلى التربية. لا بد من بناء منظومة تعليمية وأسرية تركز على القيم الإنسانية قبل الشهادات والمعارف النظرية. يجب أن تُزرع في الأطفال منذ نعومة أظافرهم قيم التسامح، والاحترام، وتحمل المسؤولية، ومساعدة الآخرين. التربية ليست مسؤولية المدرسة وحدها، بل هي مسؤولية الأسرة والمجتمع بأسره.
التربية أيضاً يجب أن تتصدى للأنانية المؤسسية، وذلك من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة في كل مجالات الحياة. يجب أن تُغرس في الأفراد فكرة أن النجاح الحقيقي هو النجاح الجماعي، وأن المصلحة العامة تتفوق على المصالح الشخصية.
خلاصة
الأنانية هي العدو الخفي الذي يعيق تقدمنا كمجتمع. إذا أردنا أن نُحدث تغييراً حقيقياً، فعلينا أن نبدأ من أنفسنا، بتغيير سلوكياتنا وأنماط تفكيرنا. يجب أن ندرك أن الحياة ليست مسابقة للفوز بالمزيد من المال أو السلطة، بل هي رحلة تُقاس بمدى قدرتنا على العطاء والتضحية.
لن نرتقي كمجتمع إلا إذا وضعنا القيم الإنسانية فوق المصالح الذاتية. حينها فقط، يمكننا أن نتحدث عن مغرب جديد، أكثر تسامحاً وإنسانية.