مجتمع

عندما تقتل المصالح الفردية الإنسانية: كيف يبيع الأصدقاء بعضهم البعض لتحقيق المكاسب

دابا ماروك

في خضم هذا الواقع المعقد، باتت المجتمعات التي تعاني من تراجع في التنمية، ومنها المغرب، أسيرة لنرجسية مفرطة وحب ذات يكاد لا يعرف حدودًا أو فرامل. أصبح هذا التوجه الفردي ينمو بوضوح حتى في العلاقات الإنسانية التي كانت تُبنى على أسس التعاون والتضامن. وبات الكثيرون ينظرون إلى العلاقات على أنها ساحة لتحقيق المصالح الشخصية والمكاسب الذاتية، حيث يتم تهميش القيم المشتركة، وتغليب الأنانية على مبدأ المشاركة.

تنعكس هذه النزعة النرجسية في كل زاوية من زوايا الحياة، من العلاقات العائلية إلى الروابط الاجتماعية والمهنية. وأصبحت الأولويات ترتكز على تحقيق الأهداف الشخصية، ولو على حساب مشاعر الآخرين، فترى البعض يسعون للتفوق بأي وسيلة، متجاهلين أحيانًا الضرر الذي يلحق بالآخرين أو حتى بجماعاتهم. يتفاقم هذا السلوك حين يصبح النجاح مرتبطًا بالظهور الاجتماعي والمكانة المادية، حيث تتآكل بذلك الروابط بين الأفراد، ويظهر مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” كعنوان غير مكتوب لعلاقات تشوبها الانتهازية والتخلي عن الآخرين.

لقد تحولت العلاقات إلى “سوق” تُقيم فيه قيمتها بمنظور مادي أو اجتماعي بحت، مما يضعف الشعور بالانتماء ويدفع بالمجتمع نحو حالة من التفكك والانقسام. حين يتمحور التفكير حول الذات فقط، تُقتل القيم النبيلة وتصبح الإنسانية في تراجع، مفسحة المجال لتصرفات تحمل طابع الاستغلال والانتهازية، حتى من أقرب الأصدقاء وأعزهم.

في عمق العلاقات الإنسانية تتربع قيم مثل الصدق، الإخلاص، والتضامن؛ إلا أن هذه المبادئ قد تُقتل حين تسيطر المصالح الشخصية وتطغى الأنانية، ليتحول المجتمع إلى ساحة صراع خفي بين المكاسب الفردية والعلاقات الإنسانية. ومن المؤسف أن بعض الأشخاص قد يضحون بأعز العلاقات، كالصداقة، لمجرد تحقيق مصالح مادية أو كسب ود جهات معينة، ليبيعوا بذلك أصدقاءهم ويتخلوا عنهم كجزء من صفقة أو طموح.

لماذا قد يبيع الإنسان صديقه؟
تعود أسباب هذا التصرف إلى ضغوط اجتماعية أو مهنية، أو إلى إغراءات مادية وشخصية، إذ يسعى البعض إلى إرضاء جهات معينة من أجل تحصيل مكانة اجتماعية، أو حماية مصالح معينة. فيضحي الإنسان بعلاقته بصديقه، مبررًا ذلك بضرورات تحقيق أهدافه. فمثلًا، في بيئة العمل قد يتخلى شخص عن صديقه المقرب لكسب رضا أرباب العمل، أو في مجالات اجتماعية قد يختار البعض القبول الاجتماعي على حساب الإخلاص.

تأثير قتل القيم الإنسانية على الفرد والمجتمع:
عندما تتكرر حالات خيانة الصداقة لإرضاء جهة ما، تنعدم الثقة بين الأفراد ويتفكك الشعور بالانتماء. يشعر الشخص الذي تعرض للخذلان بمرارة الفقد والخيانة، مما يؤثر على قدرته على تكوين علاقات جديدة. كما تتفشى حالة من الشك المتبادل، ويفقد المجتمع قيم التضامن، فتضعف الروابط الاجتماعية، ويصبح الجميع أسرى لمصالح فردية وشخصية على حساب المبادئ.

التضحية بالقيم الإنسانية من أجل المصالح:
التخلي عن الصديق أو عن أي علاقة إنسانية أخرى لأجل مصلحة آنية يمثل سقوطًا للجانب الإنساني فينا، ويؤدي إلى مجتمع هشّ يعاني أفراده من العزلة والضعف الاجتماعي. يجب إدراك أن هذا النمط من التعامل لا يجلب سوى ضياع القيم وسوء الفهم، وأن الصداقات والعلاقات لا يجب أن تُباع أو تُشترى، بل يجب أن تُبنى على أسس من الوفاء والتضحية.

استعادة القيم الإنسانية في مواجهة المصالح:
لتجنب الوقوع في فخ المصالح على حساب الإنسانية، علينا تعزيز قيم الوفاء والإخلاص، ونشر الوعي بأهمية العلاقات القائمة على الاحترام والدعم المتبادل. من واجب المؤسسات الاجتماعية والتعليمية العمل على تعزيز هذه القيم، وتربية الأجيال على الولاء للأصدقاء وللآخرين دون أن تؤثر فيهم المصالح الآنية..

الختام

في عالم يتسم بالتغيرات السريعة والصراعات المستمرة، تبرز أهمية القيم الإنسانية كحاجة ملحة للبقاء والتقدم. إن المجتمع الذي يزدهر هو ذلك الذي يُعزز فيه التضامن والاحترام المتبادل، حيث يتعاون الأفراد لتحقيق أهداف جماعية تفيد الجميع. لكن عندما تسيطر المصالح الفردية، يصبح من الصعب بناء علاقات سليمة، مما يؤدي إلى انعدام الثقة وفقدان الشعور بالانتماء.

لن نستطيع التغلب على هذا الواقع المرير ما لم نتخذ خطوات فعّالة لإعادة تعريف علاقاتنا الإنسانية. يجب أن نعيد تأهيل أنفسنا من خلال تعزيز قيم الولاء والإخلاص، والاعتراف بأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالمكاسب الفردية، بل بالعلاقات التي نبنيها، بالحب الذي نُقدمه، وبالدعم الذي نمنحه لبعضنا البعض. من خلال التربية والتعليم، يمكننا زرع هذه القيم في نفوس الأجيال الجديدة، لتكون لدينا مجتمعات قوية ومتينة تقوم على أسس أخلاقية صلبة.

ختامًا، يجب علينا أن ندرك أن الإنسانية ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي أسلوب حياة يتطلب منا الالتزام والعمل. إن فقدان هذه القيم يعني فقدان جزء كبير من إنسانيتنا، مما يقودنا إلى واقع قاتم خالٍ من الحب والتفاهم. لذا، فلنجعل من التضامن والاحترام الأساس في كل علاقاتنا، ولنبنِ مجتمعات تحتضن الجميع، تسود فيها المحبة والعطاء، لنتمكن من مواجهة تحديات الحياة بروح واحدة، ونعيد للقيم الإنسانية مكانتها السامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى